يعتبر عنترة بن شداد من شعراء العصر الجاهلي، فالعرب بفطرتهم مطبوعون على الشعر بسبب ملاءمة بيئتهم لتربية الخيال ومعيشتهم تحت سماء صافية الأديم ساطعة الكواكب ضاحية الشمس فكان لخيالهم من ذلك مادة لا يغور ماؤها ولا ينضب معينها.
اسمه عنترة بن عمرو بن شداد العبسي أحد فرسان العرب وأغربتها وأجوادها وشعرائها المشهورين بالفخر والحماسة وكانت أُمه أَمة حبشية تسمى زبيبة، وأبوه من سادات عبس، وكان من عادات العرب ألا يلحق ابن الأَمة بنسبها بل تجعله في عداد العبيد، ولذلك كان عنترة عند أبيه منبوذا بين عبدانه يرعى له إبله وخيله فربأ بنفسه عن خصال العبيد ومارس الفروسية ومهر فيها فشب فارسا شجاعا وهماما وكان يكره استعباد أبيه له وعدم إلحاقه به حتى أغار بعض العرب على عبس واستاقوا إبلهم ولحقتهم بنو عبس وفيهم عنترة لاستنقاذ الإبل فقال له أبوه: كرّ يا عنترة، فقال العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والضر، فقال كر وأنت حُر، فكرّ عنترة وقاتل قتالا شديدا حتى هزم القوم واستنقذ الإبل فاستلحقه أبوه ومن ذلك الوقت ظهر اسمه بين فرسانها العرب وساداتها فقال:
ينادونني في السلم يابن زبيبة
وعند صِدام الخيلي يابن الأطايبِ
أنا الهجين عنترة
كل امرئ يحمي حِره
خاض عنترة الكثير من المعارك وأحل مكانة رفيعة في قبيلته.
يضحك السيف في يدي وينادي
وله في بنان غيري نحيبُ
وقد شارك عنترة في حرب «داحس والغبراء» وأبلى فيها البلاء الحسن وأحل بني عبس محل السيادة في القبائل فهابها الأعداء وتقرب إليها الأصدقاء واحتمى بها الضعفاء قال:
أنا في الحرب العوان
غير مجهول المكان
فإذا نادى منادٍ
في دُجى الهيجا تراني
خُلِقَ الرمح لكفي
والحسام الهندواني
وهما في المهد كانا
جنب صدري وجناني
وكان من أقوى الأسباب التي حفزت عنترة على خوض الشدائد وقول الشعر غير التخلص من عقدتي السواد وضعة النسب ألا وهو حبه لابنة عمه مالك، عبلة، أجمل نساء قومها وأكملهن عقلا وشرفا، لقد أحبها منذ صباه فملكت فؤاده ووقف لها حياته وجهاده لعله يفوز بها.
رمت الفؤاد مليحة عذراء
بسهام لحظ مالهن دواء
أذلُّ لعبلةٍ من فرط وجدي
وأجعلها من الدنيا اهتمامي
وكان يعرض معاركه على عبلة لتشهد أفعاله في مبارزة الأبطال.
هلّا سألت الخيل يا ابنة مالك
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
يخبرك من شهد الوقيعة أنني
أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنم
وحياة عنترة تقوم أساسا على حبه لابنة عمه مالك وعبلة هي التي أنطقته بالشعر العاطفي الرقيق.
وليت خيالا منك يا عبل طارقا
يرى فيض جفني بالدموع السواكب
ودفعته إلى اقتحام المكاره والأهوال ويبلغ منزلة من المجد تؤهله لأن يخطبها إلى أبيها ويتزوجها إلا ان عمه مالكا كان من المتمسكين بتقاليد الأعراب وتعصبهم بصراحة النسب فأبى العم وكان يسعى للخلاص منه بإلقائه في تهلكة لا يعود منها سالما فطلب منه مهرا لابنته ألف ناقة من عصافير الملك النعمان، فسار عنترة في طلبها ولاقى أشد الأهوال حتى عاد بها ظافرا.
تُرى علمت عبيلة ما ألاقي
من الأهوال في أرض العراقِ
طغاني بالريا والمكر عَمّي
وجار عليّ في طلب الصداقِ
فخضت بمهجتي بحر المنايا
وسرت إلى العراق بلا رفاقِ
وسقت النوق والرعيان وحدي
وعدت أجدُّ من نار اشتياقي
عنترة مثال للفارس العربي وأبي لا يقبل الضيم وعدّه عبدالملك بن مروان من أشجع شجعان العرب وأشدها وفيّ لا يطيق العقوق جواد وافر السخاء وصاحب مروءة ونجده وهو ذو دهاء. مات عنترة قبيل البعثة مقتولا بسهم رماه به الملقب بالأسد الرهيص ونظرا لكبر سنه وكلال بصره لم يستطع أن يتحامى الرمية من السهم الغادر الذي سدد إلى ظهره، وكانت نهاية عنترة سنة 615م.
لنحافظ على تراثنا العربي الأصيل من روائع اللفظ وفصيح اللسان وعجائب المعارف وما أودع من الشعر نتاج عقول أبنائها وصور أخيلتهم وطباعهم من شأنه يهذب النفس ويثقف العقل ويقوّم اللسان.
[email protected]