إخوتنا أبناء غزة،
أيها المناضلون في سبيل الحق،
كفاحكم وصمودكم أوضح للعالم كله تخلي العدو الإسرائيلي عن كل المبادئ الإنسانية، وقد أيدت ذلك محكمة العدل الدولية، وهذا فيه التأييد وفيه التأكيد على أن موقفكم موقف الحق وموقف عدوكم هو موقف الباطل.
من متابعة أخباركم أحسسنا بمدى استبسالكم في سبيل حقكم في الاستقلال والحرية وتكوين الدولة الفلسطينية المرتجاة ولاحظنا كيف حالت الموازين في مواقف بعض الدول التي كانت لا تعترف بذلك فهي اليوم أقرب إلى تبني هذا الأمر المشروع.
لقد كانت نشأة إسرائيل في غفلة من ضمائر كثير من دول العالم، فقد جاء المحتلون الإسرائيليون من عدة أماكن في العالم إلى بلد فيه شعب، ونظام حياة، وحلوا محله فاعترف أولئك المبطلون به واستبعدوا الشعب الفلسطيني العربي الذي يشهد له التاريخ بحقه في هذه الأرض التي نشأ فيها، وكل ذلك فعلوه حقدا على العرب والمسلمين، وردا على انكسار مؤيدي إسرائيل اليوم في الحروب الصليبية بالأمس وكانت حروبا لم تنشأ إلا عن حقد وكراهية لهذه الأمة بأسرها ولقد أتيتم يا أبناء غزة لكي تقدموا الدليل على أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.
وأن حق أبناء فلسطين سوف يصل إليهم طال الزمان أم قصر، وها هي البوادر، قد ظهرت، بعد أن تبين لكثير من دول العالم مدى الحقد الذي يكنه الصهيونيون لكم حتى وصل الأمر بهم إلى حد ارتكاب جرائم إبادة دون أن تتحرك في نفوسهم - جميعا - أي ذرة من المشاعر الإنسانية، نرى ذلك في حكومة إسرائيل وفي شعبها، حتى أولئك الذين وقفوا فإنهم كانوا قليلي العدد وكان كل همهم استعادة أسراهم، وكل مطالبتهم هو الحصول على هدنة قصيرة يتم خلالها تبادل الأسرى بين الطرفين، ثم تعود الحرب.
إن العالم كله بما في ذلك الذين يدعمون إسرائيل ويحبذون عدوانها ليشتد عجبهم من هؤلاء الرجال من أبناء فلسطين الذين يخوضون حربا غير متكافئة ومع ذلك فقد اتجهت إليهم الأنظار من كل قطر، ووقف لهم مؤيدون حتى من غير أبناء أمتهم، وذلك لأن أبناء غزة قد وقفوا وقفة الرجال، ولم يجد عدوهم ما يؤذيهم به إلا قتل النساء والأطفال وتخريب المستشفيات والأكاذيب، وكل هذا من علامات الفشل الذريع الذي وقع فيه.
لنا مع هؤلاء اليهود تاريخ مظلم، فقد كانوا من أشد الناس عداوة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقدمون العون والنصح لكل أعدائه من كفار أو منافقين، ومع ذلك فقد نصر الله سبحانه وتعالى المسلمين ونشر الإسلام على الرغم من كيد هؤلاء الذين لم يدخروا وسعا في سبيل إيقاف حركة الإسلام، فكان الله لهم بالمرصاد، ورد كيدهم إلى نحورهم.
وقد أنبأ الله عز وجل من أخبارهم في كتابه العزيز، وذكر ذلك على التحديد في سورة الحشر، في الآية الرابعة عشرة منها قال عز من قائل:
(لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون).
وهذه الآية الكريمة تدعونا إلى استذكار شيء من التاريخ الإسلامي في الزمن الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كانت في المدينة المنورة فئة من اليهود عندما قدم إليها الرسول الكريم مهاجرا من مكة المكرمة. وكانوا فيها عنصرا معزولا يعيش كما وصفتهم الآية في قرى محصنة أو من وراء حصون، لا يختلطون بأهل المدينة إلا في حالات محدودة أهمها التجارة والمعاملات المالية بأنواعها. وقد ساءهم مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وناصبوه العداء، وإن أظهروا أمامه عكس ذلك. وزادوا على ذلك بأن وضعوا أيديهم في أيدي المنافقين الذين هم مثلهم في عداوتهم لهذا الدين القيم.
ومع هذا فإنه لم يكن يهمهم من الأمر إلا أنفسهم وأموالهم. وقد بلغت بهم الخسة أن حاولوا الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى ابن هشام وهو عبدالملك بن هشام الحميري توفي بمصر سنة 218هـ (833م) صاحب كتاب السيرة النبوية أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان جالسا إلى جوار جدار من جدران أحد بيوت بني النضير (اليهود). وأضاف: «ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه. فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟».
ثم قال ابن هشام إن بعض المنافقين من أهل المدينة كانوا قد وعدوا أولئك اليهود بنصرهم، ولكنهم تخلوا عنهم، ولذا اضطروا إلى التحصن في حصونهم إلى أن ضاقت عليهم الأمور. يقول ابن هشام: «وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلبهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة (السلاح)، ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل يهدم بيته من نجاف بابه (النجاف الإطار المحيط بالباب)، فيضعه على ظهر بعيره، فينطلق به».
وعلى ذلك يدلنا قول الله عز وجل:
(هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار) (الحشر الآية 2).
وقد تحقق ما وعد الله سبحانه وتعالى به مرة أخرى في عصرنا الحديث، فوجدناهم يحتمون في مصر بخط بارليف ويتحصنون به، ولكن ذلك لم يغنهم شيئا فانهار حصنهم الحصين هذا في يوم واحد.
ورأينا تخريبهم لبيوتهم في شبه جزيرة سيناء، عندما أجبروا على مغادرتها فقاموا بهدم كل ما بنوه على أرضها من مبان، وأتلفوا المزارع التي صرفوا على إقامتها مبالغ طائلة، فلم يتركوا وراءهم شيئا كما فعل - من قبلهم - بنو النضير.
ولم تكن هذه الفئة من اليهود وحدها من خان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل هذه الملة، فقد كانت هناك مجموعة يهودية أخرى تشبهها في الخيانة والغدر، وهي تلك المجموعة التي تسمى: «بنو قينقاع»، كانوا قد عاهدوا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولكنهم نكثوا العهد وخانوا.
وقد ذكر ابن حزم ما حدث لهم في كتابه «جوامع السيرة» وأورد عنه ما يلي:
- حاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة.
- كانوا يسكنون في طرف المدينة، وكانوا من سبعمائة مقاتل، منهم ثلاثمائة مدرع بدروع الحديد، ولكنهم لم يغنوا شيئا.
- لم يكن لهم زرع ولا نخل كبني النضير، وإنما كانوا تجارا، وصاغة يعملون بمالهم.
وكان مما حدث من هؤلاء أنهم قد ابتدأوا نقضهم للعهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمل مشين لا يعمله إلا أمثالهم، فهو يدل على سوء الخلق وعلى الانحطاط.
روى ابن حزم في كتابه «جوامع السيرة» ما أوضح به سبب ما حل بهم فقال:
«كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته في سوق بني قينقاع، والجلب هو ما يجلبه المرء إلى السوق من أجل البيع.
ثم جلست إلى صائغ هناك. فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده على ظهرها (ولم تشعر به) فلما قامت انكشفت سوءتها، فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ اليهودي فقتله وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فنادى أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، ووقع الشر بينهم وبين بني قينقاع».
ويلاحظ هنا مدى سوء خلق هذا الجنس، كما يلاحظ قول الراوي عن المرأة أنها امرأة من العرب. وهذا تمييز للعرب عن أولئك اليهود، فهم وإن كانوا يسكنون أرضا عربية إلا أنهم يعيشون منفردين في حياتهم ولهم مجتمعهم الغريب الخاص بهم.
٭ ٭ ٭
وننتقل بحديثنا هذا إلى مجال آخر نذكر فيه ما كتبه علماؤنا الأوائل عن اليهود، وقد لفت نظري إلى هذا الأمر ما قرأته في كتاب أعتبره من أهم الكتب في موضوع الأنساب، فهو كتاب عالي القيمة كتبه رجل من أكابر علماء الأندلس، وهذا الكتاب هو: «جمهرة أنساب العرب» ومؤلفه هو: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، وقد تم طبعه في مصر سنة 1962م. وكان ذلك بتحقيق شيخي عبدالسلام محمد هارون، وقد بدأه الشيخ بمقدمة رائعة ووافية ذكر فيها كل ما يتعلق بالمؤلف وبالكتاب، وكان بدؤه بها كما يلي:
«ليس من اليسير أن أقدم لهذا الكتاب بدراسة ذات بال لابن حزم، فإن ابن حزم عاش حياة سياسية، وأخرى دينية وثالثة علمية، كلها تتسم بطابع النضال والثورة والحماسة، في أفق عريض متسع الجنبات، وكلها أمور تفتقر إلى بحث دقيق، وإطالة لا تتفق مع المألوف في تقديم كتاب».
ثم ذكر أن ابن حزم ولد بقرطبة في سنة 384هـ (994م)، وكان أبوه عالما جليلا، ووزيرا للمنصور: محمد بن أبي عامر وولده، وصار ابنه وزيرا من بعده، ولكنه لم يدم في عمله هذا طويلا، لأن الخليفة الذي اختاره وهو عبدالرحمن بن هشام قد قتل بعد توليه الخلافة بسبعة أسابيع، وهذا دعا الفاعلين إلى إلحاق الأذى بكل من كان معه، ومن هؤلاء ابن حزم الذي سجن طويلا، ولكنه عاد إلى الوزارة بعد أن تغيرت الأمور، ونبذها بعد فترة قصيرة من الزمن، وتفرغ لطلب العلم فطلبه وأجاده، وألف فيه.
ومن كتبه المطبوعة: جوامع السيرة، وطوق الحمامة، وحجة الوداع، وله كتب أخرى كثيرة لم تطبع بعد.
وقد توفى سنة 450هـ (1058م).
سرد ابن حزم الأندلسي - في كتابه هذا - أنساب العرب جميعا، وفي آخر الكتاب أدرج فصلين خصص أحدهما لنبذ من نسب بني إسرائيل، وضمن الآخر شيئا من أنساب الفرس.
ويهمنا هنا أن نشير إلى الأول منهما:
ونذكر أولا أنه لم يقل أنساب اليهود، بل قال: أنساب بني إسرائيل، ولذا ذكر منذ البداية أن هؤلاء من أولاد إسرائيل وهو نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام.
هذا هو الأصل، أما الذين اتبعوهم فلم يكونوا من نسلهم جميعا، فقد دخل إلى هذه المجموعة أناس ليسوا من سلالتهم، فمنهم من كان صادق الإيمان برسالة أولئك الأنبياء، ومنهم المنافقون الذين عبدوا العجل في أيام سيدنا موسى عليه السلام، كما جاء في القرآن الكريم.
ويجدر بنا أن نذكر أن ابن حزم عندما ذكر أنساب اليهود في كتابه هذا - وهو خاص بأنساب العرب - إنما كان ذلك لأن عددا منهم كان يعيش في الجزيرة العربية من أجل الكسب، بعد أن تفرق أبناء ملتهم في الآفاق، ونحن نعرف وجودهم في أرض العرب من خلال سيرتهم السيئة عند ظهور الإسلام، وموقفهم المناوئ له، ولم يكن ابن حزم قد ذكرهم لغير هذا السبب بدليل أنه لم يربط بينهم وبين أحد من العرب بصلة نسب. وبدليل أنه عندما كتب الفصل الآخر من كتابه جعله خاصا بالفرس، وكانت للفرس دولة وتاريخ جلي، ولهم علاقة بالعرب أيا كان وضعها إلا أنها مذكورة في التاريخ.
وهذا يدل على أن ذكره لهذين العنصرين لا يعني شيئا إلا أنهما ممن كان على صلة مهما كانت بالعرب.
وقد بدأ حديثه عن نسب بني إسرائيل منذ الصفحة ذات الرقم 504، فقال عن أعداد المقاتلين القدماء من بني إسرائيل: «فقد ذكروا أن بني يهود المقاتلين منهم خاصة، بلغوا زمن داود عليه السلام خمسمائة ألف مقاتل».
ثم قال: «وبلغوا في زمن أسا بن أبيام بن رحبعام بن سليمان بن داود عليهما السلام ثلاثمائة ألف مقاتل من بني يهوذا خاصة».
ثم ذكر أن هذا ما ورد في كتبهم وهي كثيرة الكذب جدا.
وذكر - فيما بعد - رجلا ورد ذكره في كتبهم على أنه سيد يهوذا، أيام يوشع بن نون، فقال: «وهذا باطل لأن هذا المذكور قد جاء ذكره في التوراة على أنه حين خرج اليهود من مصر مع موسى عليه السلام، مات بالتيه، ولم يرحل مع الراحلين مع نبي الله موسى».
وهذا التيه مذكور في القرآن الكريم ضمن الآية رقم 25 من سورة المائدة.
وكان ابن حزم في تعليقاته يعتمد على كتبهم التي يتعبدون بها، ويرد على ما فيها من اضطراب، ولذا فقد أكد أن اليهود - كلهم - في عصره من نسل يهوذا، وبنيامين، ولاوي وهم من نسل سيدنا يعقوب (إسرائيل).
وكان ليعقوب اثنا عشر ولدا من الذكور هم: راوبين وشمعون ولاوي ويهوذا ويساكر وزوبولون ويوسف وبنيامين ودان ونفتالي وجاد وأشير.
ثم قال: «وعندما داهمهم سنحاريب، ونقلهم إلى الموصل دخلوا في الأمم» بمعنى أنهم انتشروا بين الناس، وتشتتوا، ولم يعد يعرف أحدهم نسبه موصولا - كما قال، ولم يستثره إلا بعض بني داود فقط.
ثم يعلّق على قوله: «هذا على ما ذكرناه من فساد وصلهم لذلك النسب».
وسنحاريب (مات في سنة 681ق.م) هو ملك آشور من سنة 705 ق.م إلى موته، قضى حياته في بناء إمبراطوريته استولى من أجل ذلك على عدد من البلدان، وخاض كثيرا من الحروب.
إذن!! فإن كل ما نراه - اليوم - من إسرائيل، إنما هو تلفيق للتاريخ وللأنساب، وهم في الواقع خليط، لابد أن يكون فيه ما يكون من الخليط من الشوائب والشذوذ، وإن كانت شوائبهم - كما نرى الآن - قد زادت عن شوائب غيرهم، وذلك لانعزالهم عن البشر، والنظرة المتعالية التي ينظرون بها إلى غيرهم، إضافة إلى ما يقوم به رؤساؤهم وأولو الأمر منهم حين يغرسون روح التفرد والتفوق فيهم مما جعلهم في عزلة عن الآخرين.
وينبغي ألا يغيب عن الأذهان أن الصهيونيين على أنواع، ومن هذه الأنواع بل ربما من كان بعضهم يكره البعض الآخر. وتتبين لنا الآن كتلتان متناقضتان ذلك أن اليهود بشكل عام ينقسمون إلى قسمين رئيسيين، لا يثق أحدهما بالآخر، وإن كان الأمر لا يخلو من وجود فروق أخرى متنافرة لا مجال لذكرها هنا.
أما ما نهدف إليه فهو ذكر ما يلي:
يقول د.عبدالوهاب محمد المسيري في كتابه: «الأيديولوجية الصهيونية» المطبوع في الكويت سنة 1982م، وهو من نشر سلسلة عالم المعرفة: «وثمة اتجاه في التفكير الصهيوني يقصر لفظ «يهودي» على اليهود البيض وحدهم، أي الأشكناز. وقد أفصح روبين عن هذه الفكرة بصراحة بالغة في كتابه الآنف الذكر، حيث يناقش أثر الحركة الصهيونية على وعي كثير من «اليهود الغربيين»، وكيف أن محاولات الاستيطان الصهيونية كانت تستهدف - أساسا - تجنيد اليهود الأوروبيين، لا اليهود الشرقيين، على الرغم من أن «تجنيد وتوطين اليهود الشرقيين (من اليمن والمغرب وحلب (سورية) والقوقاز) في المستعمرات الزراعية كان أكثر سهولة ويسرا».
ولم يكن اليهود البيض يرغبون من غيرهم أن يشاركهم فيما حصلوا عليه، وهو اغتصاب فلسطين، ولذا لم يسلم من هذا الاستبعاد حتى شركاؤهم في دينهم من اليهود الشرقيين، الذين يطلق عليهم اسم «السفارديم» في مقابل البيض: «الأشكناز» الذين كان مخططهم يستبعد السفارديم ولكن جاء على خلاف ما يريدون، ولذا «فإنه على الرغم من أن المخطط الصهيوني الواعي استبعد اليهود الشرقيين، فإنهم، مع هذا، قد «تسربوا إلى فلسطين فعلا»، وهو الأمر الذي لم يجد القبول أو الرضا، لأن «الوضع الروحي والثقافي لهؤلاء اليهود كان منخفضا إلى حد أن الهجرة الجماعية لابد أن تؤدي إلى خفض المستوى الحضاري العام لليهود (الأشكناز) في فلسطين، وستؤدي إلى نتائج سليبة كثيرة».
هذا، وقد علّق مؤلف الكتاب المذكور على ما ورد في الفقرة الأخيرة بقوله: «وبعد مضي نصف قرن ردد آبا إيبان الكلمات نفسها تقريبا في كتاب «صوت إسرائيل».
ومن المهم أن تقول هنا إن الدكتور المسيري قد رجع فيما جاء منه هنا إلى مرجع اجنبي له أهميته في الحديث عن أوضاع اليهود، وهو من تأليف آرثر روبين. أما الكتاب فهو: «اليهود اليوم».
وبهذه الصفة التي ذكرناها لهؤلاء الصهاينة تبين لنا أن الآية الرابعة عشرة الكريمة من سورة الحشر التي ذكرناها في بداية هذا الحديث تنطبق عليهم تمام الانطباق، فها نحن نحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، كما أنبأنا الوحي الإلهي الكريم.
٭ ٭ ٭
فيا أهل غزة ها نحن نرقب جهادكم، وأنتم تكشفون للدنيا كلها الوجه البشع لهذه الدولة التي كانت تدعي أنها لا تقهر، هاهي اليوم تعاني مما قمتم به على الرغم من الفارق الكبير بين طرفي الحرب ففي أيديهم أسلحة ليست في أيديكم، ولهم دعم من دول لا تدعمكم. ومع ذلك فإن العالم كله قد شهد لكم، وعرف أنكم تبذلون كل الجهد في سبيل صد عدوكم، وقد اكتشف الكثيرون ممن كانوا يميلون إلى عدوكم حقيقة هذا العدو، وأصبحوا يعترضون على انتهاكاته.
وغير هذا - يا أبناء غزة - فإن عدوكم يجابه مشكلات كثيرة في أمور متعددة منها صلاته ببعض الدول التي كان يعتمد عليها. ومنها ما كشفت عنه مجابهتكم، فقد استولت على جنوده موجة من الرعب الشديد. ونقلت جريدة إسرائيل الأولى نقلا عن الجيش أن 82% من الجنود العائدين من المعارك قد تقدموا إلى العلاج النفسي لدى العيادات المختصة من أجل الحصول على العلاج مما أصابهم من رعب وانتابهم من فزع، فقد فاجأهم ما رأوه في الميدان الذي خرجوا إليه وهم يظنون أنفسهم في طريقهم إلى نزهة، فأحاط بهم الهول من كل مكان.
وأنتم - إن شاء الله - لمنصورون فتمسكوا بقوله عز وجل: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) (سورة النساء الآية 104) صدق الله العظيم.