اليوم من يراقب ويتابع تصرفات وأسلوب حياة بعض البشر لابد أن ينتابه شعور بالاستغراب والتعجب والتفكر، وأنا هنا أتحدث عن الناس الذين يعيشون في الخفاء، ربما تمضي سنوات عدة وأنت لا تراهم في أي مكان أو في أي مناسبة، لدرجة أنك تشك أن الله سبحانه وتعالى توفاهم، وهنا لا أقصد أشخاصا بعينهم وإنما العملية أصبحت ظاهرة يتضايق ويتذمر منها الكثيرون في زمننا هذا، أصبحت اللا مبالاة والتسيب والاستهتار صفات عند العديد من الأشخاص، تجد الفرد لا يشارك الناس أفراحهم ولا أتراحهم وحتى أقرب الناس إليه، إخوانه، أقاربه، أبناء عمومته، جيرانه، كل هؤلاء لا يمثلون شيئا عنده، يعيش منغلقا على نفسه لا يريد أن يذهب لأحد ولا يريد أحدا أن يأتي إليه.
الغريب أن معظم هذه النوعية حاليا شباب ورجال ومتزوجون ليسوا أطفالا أو قاصرين أو غير مكتملي الأهلية، ربما يقول البعض هذه حريات وكل إنسان يعمل على هواه، لكن الحقيقة غير ذلك فالحرية الواقعية والمتزنة لا تتعارض مع الدين ولا مع العادات والتقاليد، إن هذا الأسلوب لنمط حياة بعض البشر إذا ازداد عن حده قد يخلق في المجتمع نوعا من القطيعة ويترك فجوة كبيرة في النفس البشرية تتضخم مع الوقت وتتوسع وتنتشر ويتوارثها الأبناء لأنهم وجدوا آباءهم على هذه الحال، ويعتقدون أن هذه هي الحياة لأنهم لم يعرفوا أعمامهم ولا أخوالهم ولا أقاربهم، وهذه حقيقة وليست قصة من نسج الخيال.
فاليوم نرى أشخاصا يصادفون أبناء عمومتهم وأقاربهم في الأماكن العامة أو في بعض المرافق الحكومية وهم لا يعرفون بعضهم البعض، أسالكم بالله: أهذا الأمر من الدين أو من الأخلاق أو من حسن المعاملة التي أمرنا بها لله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؟! لا شك أن هذه الأوضاع والسلوكيات التي يمارسها البعض تعد من الأمراض النفسية التي يجب عليهم معالجتها، وعليهم الانخراط في الحياة والإقبال عليها وعدم نقل أمراضهم إلى أسرهم وأبنائهم وجعلهم يعيشون كأنهم داخل أسوار المقابر ليس لهم ذكر في الدنيا ولا أحد يعرفهم والجميع يشمئز وينفر منهم.
اليوم هذه الفئة من الناس ازدادت وتوسعت خصوصا بعد دخول وسائل التكنولوجيا الحديثة، لذلك يجب على كل شخص عاقل ومدرك ومشارك للناس ويعيش الحياة على طبيعتها وعنده أقرباء هذا أسلوبهم يجب أن ينصحهم ويتواصل معهم. وعلى رجال الدين تقديم الخطب والدروس والمواعظ التي تحث على صلة الرحم والاختلاط مع الناس والتعايش معهم.
وعلى وسائل الإعلام أيضا أن يتناولوا مثل هذه المواضيع من خلال استضافة المختصين في علم النفس والاجتماع لتوجيه النصح والإرشاد لهؤلاء الأشخاص الذين يعيشون في عالم مغاير للعالم الذي نعيش فيه. الله يصلح الحال وتقبل الله طاعتكم.
[email protected]