تحلّ علينا بعد أيام ذكري يوم تحرير الكويت من براثن الغزو الغاشم، الذي حدث في تاريخ 2 اغسطس 1990، والذي يصادف يوم الخميس الأسود الذي انتهكت فيه سيادة الكويت، واحتلت أراضيه وقتل أبناؤه، وتم أسر الآلاف منهم وشرد باقي الشعب وبقي الجزء الآخر صامدا في وجه العدو متحملا الأخطار والمصاعب والتوتر والضغط النفسي، واستمر هذا الغزو والعذاب لمدة سبعة أشهر من الخارج بعيدا عن وطنه وأهله ومن في الداخل يشعر بالغربة والغبن لأن قيادته وحكومته بعيدة عنه ويتحكم به نظام ظالم ومستبد لا يرحم الصغير أو الكبير ويحرق الأخضر واليابس.
لاشك أن جميع المواطنين في الداخل والخارج تكاتفوا واتحدوا بعضهم مع البعض، كل منهم دافع عن قضية بلاده بالإمكانات المتوافرة له وطالب بعودة شرعيته وأرضه ولم يجد النظام المقبور كويتيا واحدا يؤيده أو يتعاون معه، وهذا الوضع لم يحدث في أي دولة في العالم تعرضت لغزو أو احتلال أو حرب عسكرية، وتعاهد الكويتيون في تلك الفترة إذا عادت أرضهم وتحرر وطنهم ورجعت شرعيتهم على أن يتعظوا مما حدث وان يغيروا نهجهم في كثير من الأمور والسلوكيات.
وبالفعل- ولله الحمد- قام أهل الكويت بتحدي الصعاب منذ بداية مشاركتهم في تحرير بلادهم من الغزو الغاشم إلى بداية إعمارها من خلال التنظيف والبناء وإصلاح المؤسسات التي تعرضت للحرق والنهب حتى إن النفط الذي أحرقه العدو الغاشم بعد انسحابه وهروبه مجبرا من الكويت بفضل الله سبحانه وتعالي ثم بفضل الدول الصديقة والشقيقة، هذا النفط المشتعل أطفئ بأيادي كفاءات وطنية شبابية.
اليوم نحتفل بمضي 24 عاما على تحرير الكويت والوضع مختلف تماما، فهو للأسوأ وليس للأفضل، وهذا ليس تشاؤما وإنما حقيقة يعيشها الجميع ويشعرون بها، بل إنهم مستاؤون منها ويتمنون أن تنتهي بأسرع وقت، سنوات ونحن نعاني مما يحدث على الساحة وخصوصا في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وما يتم بها من هجوم الأشخاص بعضهم على البعض والتصريحات الخطرة التي يطلقها البعض، وما تتسبب به من تشنج وخلاف واختلاف وخلق نوع من الفتنة والتناحر بين الناس.
والأدهى والأمرّ هو وسائل التواصل الاجتماعي وما يحدث فيها من شد وجذب ونزاع وتكذيب وتخوين وهجوم الأفراد بعضهم على البعض والافتراء والتسفيه وبكل الكلمات السيئة، لا يوجد خوف من الله أولا ولا خوف من قانون ولا حياء من الناس، هذه هي الدروس والعبر التي تعلمناها أو استخلصناها من المحنة التي مررنا بها وخلصنا الله منها، لماذا نحتفل؟ وبماذا نفرح ونسعد وهذا هو حالنا؟!
لاشك أننا لنا الحق في أن نفتخر بوطننا وبتحريره من الغزو، لكن باعتقادي أن الفرح هنا ناقص، هذا إن وجد، بالأساس ان فرحتنا لا تكتمل إلا باتحادنا وتكاتفنا بعضنا مع البعض، وإن الفرقة والنزاعات والخلافات لا تبني وطنا بل تهدمه وتشتته وتزرع البغضاء والكره في نفوس أهله والتاريخ لا ينسى أو يزور والشواهد من حولنا كثيرة، لذلك نتمنى أن نحتفل في عيد الاستقلال ويوم التحرير، وجميع هذه الظواهر والسلوكيات والتصرفات انتهت ولم يبق لها مكان في مجتمعنا وبين شبابنا. حفظ الله بلادنا من كل مكروه وأدام علينا نعمة الأمان.