- نحن على تقاليد أهلنا في شهر الخير.. تجتمع العائلة في ثاني خميس
- تجربتي كوزير للتخطيط صقلتني سياسياً .. وبـ «المركزي» تجربة عملية ثرية جداً
نلتقي اليوم وزير التخطيط الاسبق ورئيس مجلس ادارة البنك التجاري الكويتي علي الموسى، الذي طاف بنا في حوار شامل حول معاني شهر رمضان المبارك بالنسبة له، ومواقفه تجاه العديد من القضايا الوطنية العامة المستمدة من خبرته في الميدانين السياسي والاقتصادي.
ولم نبدأ الحوار كما جرت العادة بالسؤال عن السياسة والاستثمار والأزمة المالية بل سنكشف الجوانب الروحية والدينية والاجتماعية ذات الخصوصية المتفردة التي تتجلى في شهر رمضان المبارك ماضيا وحاضرا بالنسبة لعلي الموسى، لاسيما انه يملك الكثير من الذكريات عنها، سواء التي امضاها داخل الكويت
او خارجها. ويستعرض الموسى في لقائه مدى انعكاسات الاجواء الرمضانية وترجمتها الى انشطة واختلافها من عصر الى آخر، وجاء الحوار كالتالي:
محمود فاروق
حدثنا عن كيفية تحضير جدول اعمالك خلال شهر رمضان؟
٭ يومي الرمضاني يتغير كليا ولا علاقة له باليوم العادي، وذلك ابتداء من العمل حيث تقل ساعات العمل وفي المساء زيارات الدواوين تستهلك وقتا كبيرا، وهذا ما نتميز به عن دول الخليج، حتى وان اصبحت الزيارات مجرد مجاملة وبروتوكولية وتبادلا للتهاني بالشهر إلا انها عادة جميلة.
أما جدول يومي الشخصي فيكون بزيادة ساعات قراءة القرآن وسائر علوم الفقه، لأنني من الناس الذين يستمتعون بقراءة القرآن كمصدر روحي وكذلك التفسيرات وكنت أتمنى أن تكون قراءة القرآن الكريم ملزمة ليس فقط دينيا وإنما تثقيفيا ولغويا، فأنا لا أتصور إنسانا تكون لغته العربية سليمة دون أن يكون قد اتخذ من قراءة القرآن الكريم مصدرا أساسيا له لتعزيز لغته الى جانب الفوائد الكثيرة الأخرى.
لذلك يجب ان نتعامل مع أمهات الكتب وفي مقدمتها كتاب الله بالأسلوب الذي نحاول ان نبني الكثير من الأمور عليه، لذلك انا في رمضان بالذات لا أشبع من قراءة القرآن الكريم رغم أنني لست محاميا ولا فقيها ولكنني أجد فيه ثروة ومعيناً لا ينضب منذ كنت طالبا، ولهذا السبب ومن دون فخر أعتقد أنني ملم باللغة العربية.
حدثنا عن ذكريات الطفولة في شهر رمضان؟
٭ في الصغر كنت أسكن في منطقة شرق وكان شهر رمضان تغلب عليه الحيوية بشكل أكثر بما هو حاصل الآن، خاصة بعد الافطار، أما في فترة الصباح فعادة نكون في المدرسة، كما انني كنت من الباعة المتواجدين في الأسواق بعد الافطار في شهر رمضان وكنت أقف مع والدي الذي كان تاجرا مثل بقية التجار في السوق، وأذكر أن التواصل بين الأهل والأقارب والجيران في السابق كان حقيقيا تتخلله المودة.
وقد يكون التواصل موجودا اليوم، ولكن أنا أتحدث عن التواصل في السابق الذي كان حيويا، فكنا نرى مع قرب الافطار المأكولات تتبادل ما بين الجيران، كما انه كانت هناك أكلات لا تتواجد إلا في شهر رمضان.
خروجك في التجارة مع والدتك هل نمى لديك حب الاقتصاد والتجارة؟
٭ التقليد عادة في ذلك الحين ان الأبناء أو بعضهم يتشربون التجارة منذ الصغر من خلال الممارسة العملية، وكنا كأطفال نبيع أشياء كثيرة منها أكوام من الحلويات وكان معنا مجموعة من الاخوان نفرش «الحصير» على الارض وكان بيننا من يبيع الحلوى ومن يبيع «الصحون» ومن هنا كنا نتعود على ممارسة التجارة، وكان هذا الأمر عرفا متبعا لدى الكثير من الابناء، وأذكر أننا كنا في شارع عبدالله السالم الذي يسمى الآن بالشارع الجديد نفترش «الحصير» في هذا الشارع ونحن أطفال وكنا نبيع هذه الأشياء، وكلما وصل الطفل الى مراحل عمرية أخرى يمارس أنشطة أخرى متصلة بالبيع والشراء ولم يكن الهدف من وراء ذلك الكسب فقط بل الهدف هو كيف يتعود الطفل والشاب على كيفية التعامل مع الناس في البيع والشراء، وبعد ذلك أحيانا ينتقل الشاب الى محل والده أو تجارته، ورغم أن الشاب كان يعمل مع والده ولكن لم تكن هناك أي محاباة من الوالد لابنه الذي يعمل معه في تجارته وكان الشاب يتعلم من والده أخلاق وأصول التجارة وكان الابن لا يعتمد على والده وكان ذلك هو التقليد السائد. كما كنت أحرص على عدم أخذ أي سلع من والدي وكنت كذلك لا أبيع في محله بل أبيع في الشارع.
وماذا كنت تبيع تحديدا؟
٭ كنت أقوم بشراء درزن من الصحون وأضعها بشكل لائق على الحصير، وكنت كذلك أشتري علبة كبيرة من الحلويات وأقوم ببيعها بالتجزئة وكانت هذه العملية بالنسبة لنا تدريبية لنستعد لممارسة العمل التجاري من خلال المستوى الذي وصلنا اليه، وكان وقتنا موزعا ما بين المدرسة وعملية البيع بعد الإفطار في شهر رمضان وأنا بالفعل أعتقد أن ممارستي للبيع والشراء منذ الصغر كانت هذه الخطوة الاولى التي طورت عندي حب التجارة والاقتصاد.
أذكر لنا أحد المواقف الطريفة التي حدثت لك تحديدا في رمضان؟
٭ من المواقف الطريفة التي أذكرها أنه كانت هناك هوشة في الشارع ووقفت أشاهدها وجاء رجال المخفر وأخذوني مع المتهاوشين دون أن يكون لي أي ذنب في ذلك وكنت مازلت في مرحلة الطفولة، وأذكر أن المحقق عندما شاهدني معهم ضحك لوجودي ما بين المتهاوشين وكان هذا الموقف في شهر رمضان وكلما أتذكر أنني دخلت المخفر في هذه السن الصغيرة استغرب من هذا الموقف الى الآن وكان عمري وقتها تحديدا نحو 10 سنوات.
ماذا عن ذكرياتك الجامعية في شهر رمضان؟
٭ أنا درست الادارة في الجامعة الأميركية في بيروت. وقد صادفني شهر رمضان أثناء دراستي في بيروت. وكانت الاجواء والمظاهر الاحتفالية لشهر رمضان منتشرة في كل البلدان العربية والإسلامية، وأذكر بالفعل الأيام الرمضانية الجميلة في بيروت عندما كنت أدرس هناك، حيث لم اشعر بالغربة لوجود تجمعات كويتية وخليجية هناك وكنا نتواصل معا ونفطر مع بعضنا البعض.
وحدث ايضا ان امضيت رمضان في مصر وكنت موظفا، وبالطبع مظاهر الشهر الفضيل في مصر لها نكهتها الخاصة وطابعها المميز ولاسيما في «الحسين» ومقهى الفيشاوي والسيدة زينب وأيضا الفنادق وأمسياتها الرمضانية الجميلة والدافئة، وفي تركيا رغم انها دولة علمانية وحرية اختيار الصيام لمواطنيها متاحة، ولكن الالتزام واضح.. نادرا ما كنت ارى شخصا يجاهر بالتدخين على سبيل المثال وعندما يحين موعد الافطار تخلو الشوارع من المارة وتصبح مهجورة، ايضا عندهم الخيم الرمضانية وموائد الافطار للفقراء.. هذا ما عايشته في اسطنبول العاصمة، بالطبع الجو الرمضاني في المناطق الريفية سيكون اكثر وضوحا والتزاما. وبرأيي فإن رمضان سيظل متعة في كل دولة اسلامية.
هل هناك تقليد عائلي خاص بآل الموسى في رمضان؟
٭ نحن على تقاليد اهلنا، وبالتالي تقاليد أهل الكويت هي التواصل بين الاقارب، وارجع الى سؤالك عن التقليد العائلي الخاص بنا كعائلة، فقد جرت العادة في ثاني خميس من رمضان ان يتجمع كل افراد عائلة آل الموسى ولاسيما الشباب منهم في بيتي، ويتم خلاله تبادل الاحاديث حول العديد من القضايا.
هل تفكر في كتابة مذكراتك؟
٭ ربما في يوم من الأيام.. مع العلم أنني حريص دائما على التعاون مع الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب وأعتبره نوعا من المساهمة في الرأي والموقف.. لم أنقطع عن التواصل مع الإعلاميين والتعبير كلما أتيحت لي الفرصة للتعبير عن آرائي ومواقفي تجاه مختلف القضايا.. قد يرى البعض أنني مكثر في هذا الجانب.. بينما اعتبره مساهمة في التعبير عن رأي في المجال الذي أعمل فيه وليس دعاية.. ولكن هذا لا يغني عن كتابة المذكرات التي تحتاج الى شخص مهني متخصص، لأنه فن لا يجيده الا المتمكن.
حدثنا عن المحطات العملية خلال مسيرتك، وكيف تقيم أداءك في كل مرحلة؟
٭ اولا، فيما يخص مرحلة التوزير فنحن نتكلم عن فترة كان الوزير لا يستمر في وزارته اكثر من سنة ونادرا ما تتاح له الفرصة ليترك بصمة واضحة، وبالنسبة لي توليت وزارة التخطيط، وبالطبع يحتاج أي وزير الى وقت لتحسين المستوى لانها ليست وزارة خدمات.
اما ماذا استفدت شخصيا منها؟ فأستطيع القول انه لو لم اكن وزيرا لما كنت اعرف الآن كيف تجري الامور في العمل السياسي في الكويت داخل مجلس الوزراء او في مجلس الامة او في العلاقات بين السلطتين على الرغم من انني بعيد عنها.
أما محطة البنك المركزي فاستمرت لمدة 6 سنوات تعلمت منها الكثير، حيث تدربت وتأقلمت وعاصرت خلالها ازمة المديونيات وكانت تجربة عملية شخصية ثرية جدا، وتراكمت الخبرات في هاتين المحطتين، اضافة الى 30 سنة عمل في ادارات الدولة استفدت منها في عملي الخاص، حيث اصبحت اعرف ما الذي يجوز والذي لا يجوز.
علي الموسى في سطور
علي الموسى هو وزير التخطيط الأسبق والنائب الأسبق لحاكم بنك الكويت المركزي ورئيس مجلس ادارة البنك التجاري الكويتي الحالي، بالإضافة الى العديد من المناصب التي تقلدها خلال مسيرته العملية، الموسى هو من مواليد عام 1947، وتدرج الموسى في سلم المسؤولية، حيث كان وكيل وزارة مساعدا في عمر الـ 27، ثم تدرج بالعمل الى ان وصل الى درجة نائب محافظ البنك المركزي، ثم تسلم وزارة التخطيط عندما كان عمره 51 عاما وكان ذلك عام 1998، وفي عام 1999 استقالت الحكومة دستوريا بعد الانتخابات، لذلك يعتبر الموسى أن فترة التوزير كانت قصيرة بالنسبة له، حيث يقول: «منصب الوزير هو في نهاية الأمر عمل سياسي بامتياز في كل جوانبه، اضافة الى الجوانب المهنية والتخصصية، خصوصا في الكويت مع تكامل المؤسسات الدستورية من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، والوزير قد ينجح وقد يخفق، وقد يكون شخصا متخصصا له خبرة مهنية طويلة عريضة، ولا يحالفه الحظ في السياسة وفي أداء المهمة كلها».
اقرأ أيضاً:
جمال جعفر.. رمضان شهر عمل واجتهاد.. والصوم يضفي على أدائه متعة ورضا
صلاح الفليج: العبادة تكتمل بالعمل.. فالعمل عبادة وإتقانه ريادة
د.يوسف العلي: «تشريب رقاق» وجبتي المفضلة بالإفطار.. والحلو لقيمات
عبدالله التويجري: متعة العمل تتزايد في رمضان.. ولا أشعر بأي متاعب خلال يومي
مازن الناهض: رمضان شهر عمل وعبادة.. وأُفضل عدم تأجيل أي عمل أو مهمة خلالهّ
عبدالعزيز الغنام: الإخلاص والعمل الدؤوب سر نجاح العائلة
عدنان العثمان يروي لـ «الأنباء» قصة آل العثمان.. «عائلة الخير والعطاء