في إحدى زياراتي للدول الأوروبية التقيت بعربي ميسور الحال من عائلة معروفة بالتجارة منذ القدم، وهو في نفس الوقت يملك مطعما في تلك الدولة ويمنع بيع الخمر فيه، فبادرته حين قلت له إنها مبادرة طيبة لمنعك بيع الخمر في بلد هو فيها، أي الخمر، المعلم الأساسي، فأجابني بعنفوان العرب المعتاد انه وإن وصل به الأمر للخسارة وإغلاق المطعم لن ينثني عن مبادئه. وازداد انبهاري به وبردة فعله التي عانقت العقل والعاطفة معا حين أخذت أدراجي ورحلت عن ذلك البلد وتلك الصورة الجميلة عن هذا الشاب العربي المتمسك بعاداته وتقاليده لم تفارقني، وأخذني الأمر لأكثر من ذلك عندما شرعت برواية تلك القصة لناس كثر كلما أتيحت فرصة مناسبة للتطرق إليها.
ومضت سنوات ليعود بي القدر وأحط مرة أخرى في تلك الدولة، فأول شيء بدر إلي أن اتناول وجبة الغداء في هذا المطعم وألتقي بصاحبه التي تعلقت صورته في مخيلة الكثيرين ممن قصصت عليهم حكايته، وكانت المفاجأة حين رأيت أصنافا من الخمور تقدم في مطعمه ويشرف عليها شخص من الجنسية الآسيوية وقبل أن أشرع بالخروج وإذا بصاحب المحل التقيه وجها لوجه، فسلمت سلاما خجولا فبادرني الحديث بقوله ان أهل البلد لا يأكلون الطعام إلا مع احتساء الخمر، ولكن الجزء الخاص بالخمور يدار من قبل الشخص الآسيوي وأنا قد قمت بتأجير المكان له فقط وكل منا يقدم حسابه منفصلا للزبون، فلم أعلق ولكن حزنت لما قلب حال الرجل وحزنت أكثر لحماستي الزائدة لنقل القصة ذات الأحداث المزيفة، لكن لم أرد أن أثقل على الرجل فقد يكون زمانه تكفل به وكفى ووفى! وغادرت المطعم وغادرت البلد بعدها بأيام راجيا أن ينصلح حال الرجل في القادم من الأيام.
ولنختصر الموضوع، شاءت الأقدار مرة أخرى أن أزور نفس البلد بعدها بسنوات، وحين نزولي من الطائرة راودني ذلك الفضول لمعرفة أحوال ذلك الرجل، وعند دخولي للمطعم وجدته جالسا يأكل، فاستدرت بنظري لأرى من يدير بيع الخمور قد رحل، ولكن العاملين بالمطعم هم الآن المشرفون عليه بمعية صاحبه! فجررت أذناب اليأس وهممت خارجا بلا رجعة، وأيقنت أن صاحب المطعم لم يستحق أن يبرر له موقفه منذ المرة الأولى لأن المبادئ لا تتجزأ، فإن سقط منها ولو ذلك الشيء البسيط تهاوت كلها مجتمعة أو على أقل تقدير حبة حبة.
زهيري
يا طافح سليل الماي من حبٓه
هل بعد سقايا الشهد من حبه
يا جاحد، تقول هو مر، ما نحبٓه
لا تحزن على اللي بفلوس حسبها
لأن اقبالها شهم عند ربه حسبها
ذول قوم نفخر في نسبها وحسبها
فرح تلقى بلقاهم، ما من نحب به