عبدالله الشنفا
وزارة التربية هي المحور الاساسي للآمال، والآلام!
فهذه مذكرات «مختصرة» عن حال مدرس - وغيري كثير - يتمنى الفرصة المناسبة للهروب من كابوس العمل المدرسي او بعبارة أدق «السجن التعليمي»! وهل العيب فينا ام العيب فيمن بيده المسؤولية، ام في تلك النظرة غير المنصفة لمهنة التعليم المجني عليها.
مهنة الانبياء والرسل التي يفترض ان يؤجر عليها الانسان رغم انفه - كما يقول استاذنا الفاضل أبومحمود - لأنه بعقله وبما تخطه أنامله - الله يحرّمها على النار - يتخرج المهندس، والطبيب، والمواطن الصالح الذي يطمح كل مجتمع لوجوده.
ألم ينظر المسؤولون للتسرب الوظيفي من قبل المدرسين كما نظر أولو الرأي الى ابنائهم العسكريين الذين التفت لهم ذو القلب الكبير وزير الداخلية وحسم امرهم، والعمل جار لحل عادل لهم.
وكم تمنيت ان يتكرر النموذج الحنون في وزارة التربية - بصفتي مدرسا سابقا - فإلى متى توضع مصائرنا والعملية التعليمية برمتها بيد من لا يحمل الهم التربوي ولم يمارس العملية التعليمية ولم يعان مما يعانيه المعلم حتى يعلم ان الصراخ على قدر الألم!
فهل من العقل السماح لغير الطبيب الجراح الماهر بحمل مبضع الجراحة ليقطع ويوصل ويجرح ما تطوله يده، بل ويصرح لهم بتغيير واضافة المناهج دون الرجوع لأهل الميدان والمطالبة بإطالة الدوام المدرسي ونحن لا نملك ادنى المقومات لهذه القرارات التخبطية!
ولعلمك اخي القارئ فان التغيير حسب المزاج، فإذا كان غربيا فهو انجليزي، وان كان اوروبيا فستكون اللغة الفرنسية فرض عين علينا! ثم دعونا نعيد عقارب الساعة للوراء قليلا مع اطلالة بداية العام الدراسي الجديد في كل عام فمشكلة المشاكل هي «نقص الكتب» كل عام! وبنفس الوقت في نهاية العطلة الصيفية يخرج علينا تصريح من احد المسؤولين (اللي ما سافروا بالصيف) ويقول كلمته المشهورة «كله تمام يا فندم» والنتيجة هي الحسرة على وجوه ابنائنا بقولهم «يبا ما عطوني الكتاب الفلاني او تصدق ان نص الصف عنده كتب والنص الثاني ما عنده»! بالله عليكم لو كنت صحافيا تسمع تصريحا مثل هذا مرة ثانية ما ردة فعلك على المسؤول؟! ومن المعروف ان هذه المشكلة الازلية حلها يتمثل بالمال فقط فأين تذهب الأموال! والى الله المشتكى.
ثم أنتقل بك عزيزي القارئ للمشهد الثاني «من يوميات مدرس هارب» بعد هذا العرض الحزين لواقع المباني المدرسية هل تصدق - والله على ما أقول شهيد - انني قد عملت في مدارس بها فصول ليس لها ابواب! يدرس بها ابناؤنا وهذا ليس في دولة افريقية تهب الكويت كالريح المرسلة لمساعدتها من باب القاعدة المشهورة «عين عذاري!» ولكن في الكويت.
أم هل تصدق ان ابنك يبكي صباحا ان لم يجد مطارة الماء مثلجة لان مشارب الماء اما اغلبها معطل او الكثير حار لعطل به! او دورات المياه - أجلكم الله - بلا تعليق! كم أنت مسكين يا بنيّ الصغير.
اللهم أعني على ما اكتب فوالله تكاد دموعي تغالبني لتسطر بنفسها ما في القلب، والله انه من الظلم المتاجرة والزج بـ «التربية» فيما نراه على الساحة بهذا الشكل.
وللعلم اخي القارئ فان المعلم هو الركيزة الاساسية وانا اتحدى اي منظر من «التربية» او الجامعة او كلية التربية الاساسية وانا اتكلم من واقعي وتجربتي الشخصية في هذا المجال، حيث ان المحك والميدان الحقيقي هو المدرسة فقط! وان كل ما تعلمناه كان من باب الثقافة العامة وتوسيع المدارك للتهيؤ لحمل هذه الرسالة العظيمة، فيبدأ المعلم الجديد - وهو غصن طري - لا يعلم من اين يبدأ هل يبدأ من دفتر التحضير «عليه من الله ما يستحق»! أم من العمل الشاق المرهق نفسيا وفكريا واخلاقيا، ولعلي اعطيك نبذة أخي القارئ الكريم عن «التحضير اليومي الكتابي» وهو نوع من الكذب الوظيفي المفروض على المدرس فرض عين لكبح جماح الابداع لدى المعلم والعملية التربوية ولحماية الكثير من المسؤولين الذين اكل عليهم الدهر وشرب حتى الثمالة!
فهو جمود في تخلف! وهو الركيزة الاساسية التي يقيّم بها المعلم حتى لو كان هذا المعلم هو «احمد زويل» صاحب جائزة نوبل!
هل تصدق اننا نكتب فيه الكلمات التالية: اقوم بإلقاء تحية على المتعلمين، اقرأ الدرس على المتعلمين، اعيد قراءة الدرس ثلاث مرات ..الخ! فبالله عليك اخي القارئ هل تصدق انني لو لم اكتب هذا الكلام «المقدس» سأقف في منتصف الفصل كمن فقد ذاكرته صارخا في وسط الفصل: «أنا مين»؟!
ولو فرضنا جدلا ان وفدا من اليونسكو اراد تقييم العملية التعليمية بهذا النمط «والله نمط الكتاتيب ارحم»، فماذا سيقول؟ ستنشر «رويترز» نقلا عن سميث - وهو اسم مجازي المفروض انه لشخص اجنبي - اننا وجدنا شريحة من الناس لاتزال تتمسك بالتعليم الحجري! ولذلك تصلح ان نطلق عليها صفة الجمود، والقوة، والمتانة! فهم يصلحون ان يكونوا مومياوات اكثر منهم متعلمين، ثم يا ويلك لو دخل احد فطاحل التوجيه في شهر 4 اي بعد بداية الدوام بستة اشهر، وكنت تعمل كالساعة ولم يجدك قد كتبت هذه «الاسطوانة المشروخة»، فهي بالنسبة للمدرس النطق بالاعدام! فأنت متهم حتى آخر السنة الا ان يشاء الله.
اذن ماذا ينقص «التربية» ايها المدرس السابق؟
ينقصنا اب حنون ذو قلب كبير، اكبر من ساحات المدارس المفروشة، بالأسفلت وليس بالورود او على الاقل حشيش اخضر! وان يكون مدرسا ليس من عصر الملا فلان والمطوعة فلانة - يرحمهم الله ولكن لكل زمن رجاله - رجل من عصر الانترنت والتعليم الحديث وتوظيف الوسائل الحديثة لخدمة العلم.
وأن يعلنها صرخة مدوية من اعلى مباني الكويت لجميع اخوانه من اكبر معلم ومعلمة الى ابنائه من التلاميذ والتلميذات بقوله: أنتم الاصل، وكلنا لكم فرع.
وإبعاد عنصر التأزيم الحالي، فلقد تلقى المدرسون التهاني عندما تم اعفاؤها من المنصب.
وزيادة الدعم المالي المخصص للمعلم الكويتي او الوافد اسوة بغيره من الكوادر - فهو من غرس العلم والمعرفة في نفوسهم - اذا اردتم الرقي والرضا الوظيفي للمعلمين والمعلمات. والحرص اشد الحرص على ما تجلبه لجان الاختيار من مختلف الدول، كفانا مجاملات فماذا استفدنا ممن يحمل «المجموع الشعبي، مقبول» من غير الكويتيين! ما شاء الله التعليم في الكويت سوق رائجة لمن لا وظيفة له في بلده والضحية من هم؟ أبناؤنا ومخرجات التعليم.
ولتكملة هذا الموضوع ستكون المقالة المقبلة بإذن الله عن «أسباب العزوف عن التدريس».
وختاما أهدي أعذب الكلمات من قصيدة «أمعلمي» لإخواني في الميدان:
لم أسع يوما للمديح ولم أرم
شيئا من الدنيا أو الدينار
أبني العقول وهذه هي متعتي
وسعادتي في ذلك الإعمار
وإلى الله المشتكى