الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
نعيش في الكويت ازمة تعليمية بدأت قبل سنتين تقريبا مع ارتفاع نسب خريجي الثانوية العامة، ففي ذلك الحين برزت ازمة القبول الجامعي، وتبين القصور الحكومي في موضوع التعليم العالي، فتم التدخل السياسي في التعليم العالي لتغطية هذا القصور من خلال قبول اعداد كبيرة تفوق الطاقة الاستيعابية للجامعة والتطبيقي بعيدا عن المعايير التعليمية والأكاديمية، وإغراء الدكاترة بقبول النصاب التدريسي الزائد من خلال زيادة مكافأته إلا ان هذا لم يكف لقبول جميع الخريجين لنقص الدكاترة والقاعات الدراسية، فتم رفع السقف للشعب الدراسية ليصل في بعض شعب جامعة الكويت الى 150 او اكثر، وفي كلية التربية الأساسية الى اكثر من 75 بعد ان كان السقف لا يتجاوز 30-40، فأصبح المهم العدد والكم على حساب كيفية التعليم وجودته.
وفي ظل زيادة الاعداد في الشعبة عن طاقة الدكتور: كيف يقوّم من خلال الاختبارات المتعددة؟ وكيف يقوّم من خلال الابحاث ومناقشتها؟ وكيف يفيد من خلال النقاشات وإجابة الأسئلة؟ اصبح الاستاذ يكتفي باختبار واحد فقط للشعبة الدراسية لكي لا يعيش طوال الفصل الدراسي في دوامة التصحيح، ولا يطلب الأبحاث من الطلبة لأنه لا يستطيع تصحيحها اولا ولا مناقشتها ثانيا، وأصبحت النقاشات العلمية بين الاستاذ والطلاب والإجابة على استفساراتهم قليلة جدا لأن الوقت لا يكفي فالمحاضرة وقتها 50 دقيقة يستقطع منها 10 الى 15 دقيقة لأخذ الغياب، فكيف الباقي منها لإلقاء المادة العلمية للمقرر فضلا عما سبق؟
ان تعليمنا العالي يتجه نحو الانحدار والهاوية ـ ان لم يتدارك ـ نعم من حق ابنائنا توفير التعليم العالي لهم، لكن ليس بهذه الطريقة التي تهدم الجودة التعليمية، فحقهم هو توفير التعليم العالي الجيد لهم، فحل هذه المشكلة ليس بضخ الاعداد الكبيرة في الشعب الدراسية، وإنما في زيادة تعيين الاكفاء من الدكاترة ـ لاسيما الكويتيون ـ وزيادة القاعات الدراسية، وإنشاء جامعات وكليات حكومية جديدة وفق معايير الجودة الاكاديمية، وفتح افرع للجامعات العالمية وغيرها من الحلول.
نحن امام خيارين: اما الحرص على العدد، وإما الحرص على الجودة التعليمية، فالأول سهل جدا وهو الاستمرار على هذا النهج القائم، ولكنه يهدم التعليم العالي في البلد، والثاني يخدم ويطور التعليم العالي ولكنه يحتاج الى جهود مخلصة من المختصين واصحاب القرار، فهؤلاء امام واجب وطني ينبغي عليهم القيام به، لأن التنمية الحقيقية والاستثمار الامثل في بناء الانسان.
وفّق الله الكويت وأهلها للتقدم والتطور، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
dr_aljarman@