الثورات العربية التي سميت بالربيع العربي، لم تجلب زهورا يستنشق الثوار عبيرها، ولم تجلب لهم ثمار ما زرعوه، هم فقط حصدوا اوراق اشجار يابسة، ساقطة على الطرقات، عندما تحول ربيعهم خريفا لا يسر ولا يسد رمق جوعهم للحرية!!
الشعوب العربية تفاءلت خيرا - ونحن معهم - عندما انطلقت اول شرارة الربيع، فانقلبت ضدهم لان الثوار الصادقين هم الذين دفعوا الثمن، في ارواحهم واصاباتهم، واعتقالاتهم وحريتهم التي كانوا يملكونها بسكوتهم، والثوار المتسلقون والذين جاءوا بعدهم، هم الذين حصدوا الثمار، وأكلوا منها ما لذ وطاب، ورموا بقايا القشور على الشعوب الثائرة، حين استولوا على كل شيء!
سنوات مرت، ومعظم شعوب الدول العربية التي حملت رايات الربيع العربي، يعانون اليوم من ويلات كثيرة، ويلات تلو ويلات، بعد ان كانوا لا يعانون الا من ويل واحد، كانوا وكنا نتمنى زواله وترجع الامور الى نصابها الصحيح!
احيانا احاول ان اقنع نفسي بأن الحرية والديموقراطية هما وجهان لعملة واحدة، ذات قيمة عالية تفيد من يتداولها، فاكتشفت أنها شيء فضفاض اكبر من حجمنا، ونحن على وضعنا الهزيل، تماما كما في المثل الشعبي «يخب علينا» وعلينا بهذه الحالة ان نسكت ولا نتكلم سوى في الأمور الواقعية والمفروضة علينا قسراً!
اقول هذا، لان الشعوب التي ثارت وزرعت الثورة في ربيعها، لم تحصد الا دمارا قاتلا، ونارا احرقت الاخضر واليابس، وهم الآن يترحمون على وضعهم المزري السابق، وعلى من كان يحكمهم بالحديد والنار، ولسان حالهم ينطق بالقول الشعبي المأثور: «ليش ما تركنا السقف على طمام المرحوم»؟!
انا مع مطالبة الشعوب بحرياتها التي يستحقونها، وآمالهم التي يحلمون بها، ولكني لست معهم، اذا كانوا لا يستطيعون السيطرة على اوضاعهم، والتحكم في أمورهم، وهم لا يملكون القدرة لمداراة الحقيقة المرة، لأن الحرية - كما افهمها - هي ليست هدرا للدماء التي تراق، ولا فداء بالروح على لا شيء، وانما هي معنى كبير يجب أن نفهمه ونطبقه اولا على انفسنا، قبل ان نطالب الآخرين بتطبيقه!
الربيع العربي، حلم لم يتحقق، ولن يتحقق، طالما نحن الشعوب على حالنا وعلاتنا البائسة، لا ننظر الى ابعد من خطواتنا، ننظر فقط لمكتسبات لحظتنا ويومنا، ولا نبالي لمستقبل الاجيال القادمة، وهم الذين سيدفعون الثمن غاليا.. لا نحن!