يعيش المثقف المفكر في عالمنا الثالث العربي والإسلامي في حالة من الحذر والرعب عند إبداء رأيه النقدي في أي موضوع كان خوفا من السلطات الثلاث (المجتمع ـ المؤسسة الدينية ـ السلطة التنفيذية)، وما يؤكد ذلك قيام والدة الشاعر الكبير فهد العسكر(ت1951م) عند موته بحرق قصائد ولدها خوفا عليه من الذنب ولعنة الناس التي ستلاحقه وهو ميت، وكذلك فعلت أسرة عالم الاجتماع العراقي علي الوردي (1995م) التي أخفت كتابه الأخير أو أتلفته «كتاب العمر» وكذلك اغتالت الجماعات الدينية في لبنان المفكرين حسين مروة ومهدي عامل (1987م) والقصص كثيرة، فالتهمة جاهزة للمثقف من السلطات الثلاث تغريبي، علماني، زنديق، ملحد، عميل.. إلخ، فحرية الرأي والبحث العلمي في عالمنا الثالث شبه مفقودة قياسا بالغرب الذي تقدم بفضلهما ونحن تخلفنا.
عرضت قناة «دريم2» في برنامج «الحقيقة» قضية تكفير الكاتب المصري «سيد القمني» من قبل الإسلاميين، الذين رفعوا الآن دعوة عليه حيث يطالب تقرير هيئة مفوضي الدولة لمجلس الدولة في مصر بأن يرجع القمني جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية التي نالها من وزارة الثقافة في 2009 على كتابه الموسوم «الحزب الهاشمي» المثير للجدل ومحاكمته كمرتد وهذا يكفي لإهدار دمه من قبل المتطرفين.
لم أقرأ كتابا واحدا للقمني حتى الآن حتى أدافع عنه ولكن إيمانا بحق الإنسان أيا كان في إبداء رأيه فقد هزني منظره في اللقاء، حيث الوجه شاحب أصفر، والجسد والصوت عليلان، ولكن ليس منكسرا بل دافع عن نفسه بكل ما يملك من حجج لكي يثبت إسلامه وحسن نواياه في أبحاثه. ولكن الوضع في مصر بعد الثورة لا يسر ولا يطمئن، حيث غياب الأمن والقانون وانتشار الفوضى والمجرمين والجماعات الإسلامية المتطرفة ومن الممكن ـ لا سمح الله ـ أن يلحق القمني مصير صاحبه الشهيد د.فرج فودة الذي اغتيل بالرصاص (1992م) على أيدي إرهابيين وهو خارج من مكتبه وبصحبة ابنه، فقد سئل القاتل أمام القاضي لماذا قتلت فرج؟ فقال إنه كافر. ومن أي كتبه عرفت ذلك؟ فأجاب أنا لا أقرأ ولا أكتب.
نعم الجماعات الإرهابية قد لا تقرأ حتى كتاب الله وإن قرأت لا تفهم ولا ترد على الخصم بالمنطق والحجة كما أمرنا الله سبحانه وتعالى (ادع إلى سيبل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك اعلم بمن ضل عن سبيله ـ النحل: 125). فالأحسن لديها الرد بالتصفية الجسدية وهذا إعلان إفلاسها من الثقافة والفكر والقوة والمنعة فتذكروا يا معشر الإرهابيين إن أفعالكم هذه تشوه صورة الإسلام وستنالون العقاب آجلا أم عاجلا فهل هذا حرصا منكم على الإسلام أن تمنعوا كتابا أو تقتلوا مفكرا أو تسجنوه أم الخوف على مصالحكم ومصيركم؟
فالدين الإسلامي أقوى من أن يهزه كتاب أو مقال أو ارتداد أحد أتباعه وهو الراسخ كعقيدة عند أتباعه عبر مئات السنين . فاتقوا الله واتركوا القمني يعيش ما تبقى من عمره مع أولاده لعله يتراجع والله غفور رحيم فبإمكانه اليوم أن يهاجر إلى الغرب الذي سيرحب به إن هاجم الإسلام كما رحبوا بسلمان رشدي، فحينها لن تجدينا المباهلات.
[email protected]