«الاحتقان الطائفي في دولنا أصبح مرضا خطيرا يهدد أوطاننا فيحتاج إلى أدوية ناجعة وليس مسكنات وقتية».
أتابع منذ أكثر من 10 سنوات برنامج «الحوار الصريح بعد التراويح» عبر شاشة «المستقلة» الذي يطرح قضايا مذهبية مختلفا عليها بين الفريقين «أهل السنة والجماعة» و«الشيعة الإمامية» بغية معالجتها لإثبات الحق من الباطل فيها، ولكن إلى الآن لم تؤت تلك النقاشات ثمارها فلا الوحدة الإسلامية تمت بين أتباع المذاهب المختلفة ولا حتى التقارب، بل ازدادت الطائفية في لبنان والبحرين والكويت والتكفير والذبح على الهوية في العراق وباكستان. فلماذا فشلت تلك الحوارات والمؤتمرات الإسلامية والندوات العلمية على كثرتها في تحقيق التعايش السلمي والتسامح بين المسلمين؟
من الواجب علينا الآن أن نبحث عن مخرج من الفتنة الطائفية التي بدأت تطل برأسها في مجتمعنا فتهدد السلم الأهلي وتتوعد أوطاننا بالحرق والتشظي إلى أقاليم ومقاطعات متناحرة فأرى الحوار بين المذاهب لابد أن يبنى على الأسس التالية من وجهة نظري المتواضعة:
٭ الأخذ بعين الاعتبار أن الاختلاف بين البشر في الفكر لا يبعث على الخلاف والعداء، وهو من سنن الكون لقوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين ـ هود 118) فوحدة الملل والرؤى أمر مستحيل، أي أننا إذا اختلفنا في قضية ما فهذا يعني أننا نملك عقولا تفكر وتستنبط. ويستحضرني قول أمير الشعراء أحمد شوقي (ت1932) في مسرحيته «مجنون ليلى»:
ما الذي أضحك مني الظبيات العامرية
ألأني أنا شيعي وليلى أموية؟
اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية
٭ تبني أسلوب جديد في النقاش هو «الحوار الحضاري المرن» في طرح القضايا الدينية والمذهبية بين الفريقين بطريقة موضوعية خالية من الانحياز بدلا من الأسلوب البدائي المتشنج «الجدال والمناظرة» ورفع الصوت والتراشق بالألفاظ دون جدوى.
٭ إعادة قراءة التراث والتاريخ الإسلامي قراءة نقدية عقلانية بغية التخلص من الموروث الأموي والصفوي عند الفريقين، فإثبات الخلافة بالشورى أو النص لن يجدي شيئا في عصرنا هذا فلا أحد يستطيع إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء لكي نأتي بالأصحاب أو الآل لكي يحكمونا اليوم.
٭ أن يجري الحوار بين فقهاء كبار لهم وزنهم من الفريقين يتسمون بالورع والعقلانية والبعد عن التعصب والتطرف.
٭ اقصاء الخلافات التاريخية وصراعات الأنظمة السياسية وطموحاتها جانبا عن «الحوار» حتى لا يفشل.
٭ الحوار الحضاري لا يتطلب من الفريقين أن يتنازلا عن نظرياتهما كالشورى وعدالة الصحابة والإمامة والعصمة مثلا.
٭ البحث عن المزيد من المشتركات بين الفريقين وهي كثيرة لله الحمد، فالإله واحد والنبي محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب القرآن الكريم والصلاة والصوم والحج والزكاة وذلك من أجل توثيق الروابط الاجتماعية بين الأتباع.
٭ بعد الحوار يتم إصدار ميثاق أو فتوى معتمدة من الفريقين تلزم المسلمين بإيقاف التلاعن والتكفير والنبذ والإقصاء والتحريض على إراقة الدماء والتخلي عن اللمز والتنابز بالألقاب المنفرة بين الأتباع «ناصبي، رافضي، وهابي، صفوي».. لتعزيز روح الإخاء الإنساني بين المسلمين وإقرار التعايش السلمي تحت سقف الوطن الواحد.
هذا إذا أراد الفقهاء للإسلام والمسلمين ولأوطاننا الخير والأمان، فإن لم يكن «الحوار» كذلك، يصبح جدالا عقيما لا طائل منه سوى المزيد من التناحر والفرقة.
[email protected]