تعرف دائرة المعارف البريطانية العلمانية secularism بأنها: حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا، فقد انتابت معظم الأوروبيين في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر، وظهرت العلمانية عام 1851 على يد البريطاني جورج هولوك، مع عودة الأوروبيين للتعلق بالإنجازات البشرية وبفكرة ان مطامحهم يمكن تحقيقها في الدنيا.
جورج هولوك الانجليزي مبتدع العلمانية يصفها بأنها طريقة ونظام للحكم وليست ايديولوجية او عقيدة وهي لا تتفق مع كون الأديان أو سواها من العقائد مرجعا رئيسا للحياة السياسية ومصدرا للقوانين، لكنها لا تحارب الأديان وان اختلفت عنها.
لم يتمكن السياسيون من الاتفاق على تعريف محدد للدولة العلمانية لكنهم اتفقوا على أنه ينبغي على الدولة ان تكون ضمن احد أنماط ثلاثة تحدد علاقتها بالدين لتكتسب صفة العلمانية وذلك على النحو التالي:
النمط الأول، وفيه ينص دستور الدولة صراحة على هويتها العلمانية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وكوريا الجنوبية وتركيا حيث تظهر العلمانية واضحة في نصوص المواد الثلاث الأولى من دستورها.
النمط الثاني: الدول التي لم تنص دساتيرها على العلمانية لكنها لم تحدد دينا للدولة، وتهتم دساتيرها بالمساواة بين جميع المواطنين وبحرية المعتقد.
النمط الثالث: هي الدول التي تنص دساتيرها على دين محدد للدولة مثل الكويت ومصر وموناكو واليونان ولكن دساتيرها تحتوي على المبادئ العلمانية العامة، كالمساواة وكفالة الحريات العامة وان كانت بدرجات متفاوتة فيما بينها، فمالطا المسيحية الكاثوليكية تحرم الإجهاض، ومع ذلك فإن تقييد الحريات العامة فيها أقل بكثير مما هو عليه في الكويت ومصر اللتين تعتبران الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع الأمر الذي أدى إلى قيود حول تغيير الدين أو بناء دور عبادة لغير المسلمين وغيرها من القضايا المرتبطة بقانون الأحوال الشخصية، هذا النموذج الإسلامي للعلمانية ينطبق أيضا على عدد من الدول الأخرى، مما دفع ببعض الباحثين لإجراء تعديل على مصطلح الدولة العلمانية واستنباط اصطلاح «الدولة المدنية» بديلا عنه.
العلمانية والإسلام
يرى المستنيرون من علماء المسلمين ان العلمانية بضوابط إسلامية هي الحل لأهم مشاكل العالم الإسلامي ونعني الصراعات الطائفية، ويؤكد المحققون من العلماء أن الشريعة تفصل فيما لا يتغير، وتجمل فيما يتغير، بل قد تسكت عنه تماما أحيانا وان التفصيل يكون عادة بنصوص ظنية الثبوت قابلة لأكثر من تفسير، وليست قطعية الدلالة وهذا ما يعطي المجتهد فرصة الاختيار والإبداع، فالفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال، وللضرورات أحكامها، وما جعل الله في الدين من حرج.
يقول د. يوسف القرضاوي أحد أعمدة الاخوان المسلمين ان الشريعة تركت للعقل الإنساني مساحات واسعة يجول فيها منها منطقة الفراغ من التشريع، والإلزام في شؤون الحياة والمجتمع «منطقة العفو» في حديث العفو، وحديث: «إن الله فرض فرائض، فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء، رحمة بكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها» رواه الدارقطني، وهو من أحاديث الأربعين النووية، ومغزى الحديث الشريف ان ما ينص عليه، إنما يتناول في الغالب المبادئ والأحكام العامة، دون الدخول في التفصيلات الجزئية، إلا في قضايا معينة من شأنها الثبات كقضايا الأسرة والحدود. وبالطبع فإن هناك آراء لفصائل أخرى في الإسلام ترفض العلمانية جملة وتفصيلا بل ويصل الحد عند بعضها إلى تكفير من يدعو لها او يؤمن بها على أي شكل من أشكالها.
[email protected]