علي الدقباسي
الكم الهائل من كلمات الرثاء ومشاعر الحزن والدعاء بالمغفرة، الذي تفجر اثر سماع خبر وفاة د.أحمد الربعي، دليل على اثر ذلك الراحل الكبير في المجتمع، والمحبة التي يكنها كثيرون لشخصه، وأنا من هؤلاء الكثيرين الذين تألموا لرحيله، وعزاؤنا انه في ظل الرحمن الرحيم واسع المغفرة، وان الموت سنة الحياة وكلنا ميتون.
آخر لقاء مع د.الربعي يرحمه الله تعالى، كان في أبوظبي في بيت السفير الكويتي الذي كان يقيم حفل عشاء للمسؤولين الكويتيين الموجودين في الامارات، وكان ذلك في الوقت الذي يعيش فيه الربعي في أشد حالات مرضه ومعاناته، وكان يرحمه الله مرحا واسع المعرفة، متواضعا صاحب حضور، لا يعبء بالشكليات متفائلا، لا يثير جزع اصحابه، كان الربعي يموت ببطء، ويقول لمن حوله الحمد لله، وكان يتعشى مع السفير العراقي الحاضر في تلك المناسبة ويتحدث اليه كأنه أقربنا جميعا اليه، كان صديق الجميع، وكان يتابع الشأن العام بالرغم من همومه المرضية الخطيرة، ويؤكد على احترام حقوق الانسان، وحرية الرأي والتعبير للكل، كان رائعا مقنعا يملك الحجة.
هنا لست أكتب صفاته ولا أرثيه، فالذي يحتاج اليه أبو قتيبة الدعاء بواسع الرحمة، ولا ينفع العبد بعد وفاته الا الدعاء ورحمة الخالق عز وجل، ولكنني أود ان أسجل كم كان رحمة الله عليه مؤثرا في محيطيه الكويتي والعربي، كان نموذجا عجز الكثيرون عن تقليده، وكان يحارب من خصومه بضراوة، وكان فردا هز جماعات تحالفت ضده.
شخصية الربعي صعب ان تتكرر، وأكثر ما كان يسعده نجاح افكاره، والناس كلها تموت، ومنهم من يورث خيرا، وبعضهم كراهية، وبعض آخر لا يورث شيئا، والربعي ورث افكارا صحيحة، وان اختلفنا معه في بعضها لكنه كان حريصا على ان يعلمنا كيف نختلف دون خلاف، وكان يؤكد على احترام الرأي الآخر ويشجع حرية الحوار، ويدفع في اتجاه المصلحة العامة ولا يهتم بمصالح ضيقة، ولم يحقق الثراء الفاحش بالرغم من قربه منه، فقد كان منسجما مع نفسه.
سنفتقد زاويته «بالمقلوب»، وأفكاره الجريئة، ومفاجآته ودفاعه عن الحق والعدالة والمساواة، وحرية الرأي والتعبير، ولكننا ان تمسكنا بها بقيت هذه الأهداف، والبشر راحلون، اما الأفكار العظيمة فباقية، وكل الذين خدموا البشرية في مجالات الطب والصناعة والكهرباء ورحلوا لكنهم موجودين بأفكارهم وذكراهم، والربعي من هؤلاء دون مبالغة لأنه سعى الى ايجاد مناخ عربي بشكل عام وكويتي بشكل خاص يشجع على الابداع وعلى النجاح الذي فيه تكافؤ الفرص وليس فيه عنصرية والغاء للآخرين دون أي اعتبار لهم.
يرحم الله الربعي كم كان مؤثرا، والدليل الكم الكبير من الكلمات التي قيلت بحقه والحزن الذي حل في قلوب الناس عليه.