لقد اهتم الاسلام بالوقت اهتماما بالغا ولم يعرف التاريخ أمة عنيت برعاية الوقت وصيانة الزمن كهذه الأمة ولقد أكد على ذلك كتاب الله في كثير من سوره وآياته وسنة رسولنا الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام، ولنا في سلفنا الصالح خير عبرة فقد كانوا احرص الناس على كسب الاوقات وشغلها بأحسن الاعمال وحضارتنا الاسلامية خير شاهد على ذلك، فالوقت أمره كبير وعليه تبنى وترتفع الامم.
ومما لا شك فيه ان كل انسان يعلم ان الغاية من وجوده في هذه الحياة تحقيق رسالة معينة، فلا ريب في ان الحياة ما هي الا لحظات محدودة، فلزاما علينا ان نستشعر ان الوقت يمثل وعاء لأعمالنا وأنه مرحلة يقطعها الانسان ويدرك ان الزمن نعمة كبرى وله منزلة عظيمة وواجب يتحتم علينا حفظه والعناية به لأنه عمر الحياة وميدان وجود البشر وساحة بقائهم وخزينة اعمالهم فهذا كتاب الله يؤكد علو قدر الوقت بأساليب مختلفة يأتي في مقدمتها بيان اهميته يقول المولى عز وجل: (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار) فلقد امتن جل شأنه بنعمة الليل والنهار وهما الزمن الذي نمر به.
وحسب الوقت من الاهمية ان الله سبحانه وتعالى أقسم به وبأجزائه في آيات من كتابه الكريم قال تعالى: (والفجر وليال عشر)، (والضحى والليل اذا سجى)، (والعصر ان الانسان لفي خسر) وغيرها من آيات الذكر الحكيم وما ذلك الا لعلو مكانة الوقت وأهميته ولفت الانظار اليه والتنبيه على جليل نفعه وعظيم اثره، ولقد جاءت شعائر الاسلام وفرائضه من الصلاة والصيام والزكاة والحج لتثبت هذا المعنى الكبير، وتحرك في الانسان الوعي والادراك بأهمية الوقت مع دورة الأجرام وحركة وسير الشمس والنجوم واختلاف الليل والنهار.
اما السُّنة المطهرة فلقد جاءت معززة ومؤكدة لقيمة الوقت في وضوح تام، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»، وذلك لان الزمن نعمة جليلة ومنحة كبيرة لا يستغلها ويستفيد منها الا الموفقون والمحظوظون، اما المغبونون الخاسرون فهم المفرطون في اوقاتهم والمهدرون لطاقاتهم والمنشغلون بفراغهم بأشياء لا قيمة لها.
كما ذكرت السنة وقررت مسؤولية الانسان عن الوقت يوم العرض على الله فجاء في الحديث الشريف عن ابي برزة ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع»، وذكر منها: «عن عمره فيما افناه، وعن شبابه فيما ابلاه»، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله «اغتنم خمسا قبل خمس»، وذكر منها «فراغك قبل شغلك».
فيجدر بنا ان نقدر قيمة الوقت لما له من قيمة كبرى حرص عليها اسلافنا وكانت حينها حضارتهم عريقة الجذور، يقول الحسن البصري رحمه الله: «أدركت اقواما كانوا على اوقاتهم اشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم».
ونقل عن عامر بن قيس من التابعين ان رجلا قال له: «تعال اكلمك، قال: امسك الشمس»، ويعني احبس الشمس عن المسير لأكلمك، وكان الفاروق عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يقول: «ان الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما» وكان الصحابة يجتهدون في الترقي من حال الى حال خير منه، بحيث لا يمر يوم لا يستفيدون منه زيادة في الايمان والعمل الصالح وكانوا يعتبرون انفسهم انهم غبنوا اذا مر يوم لم يستفيدوا منه ويعدون ذلك سببا من اسباب المقت، قال ابن مسعود ( رضي الله عنه ): «ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه اجلي ولم يزد فيه عملي»، وقال احدهم: «من امضى يوما من عمره في غير حق قضاه، او فرض اداه، او مجد اصله، او حمد حصله، او خير اسسه، او علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه».
هذه الاضاءات العبقة مما كان عليه سلفنا الصالح ليتها تغدو نبراسا لنا وعبرة نأخذ بها ونتحسس من خلالها قيمة الوقت فهو اغلى من الجواهر النفيسة انه الحياة كلها فكل شيء يمكن استرجاعه الا الزمن لا يمكن ان يعود ابدا وحقا كما يقال: «ان الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك».
فما يؤلم القلب ويزيد في الحسرة ما نلاحظه اليوم عند كثير من شبابنا من اضاعة للاوقات تجاوزت كل الحدود ووصلت الى مراحل من السفه البالغ في قتلهم للوقت وليتهم يعلمون ان قتل الوقت يعني قتل النفس وهذه جريمة من اخطر الجرائم التي تفتك بشبابنا، فالفراغ ان لم نحسن استغلاله ونسع الى الإعداد والتخطيط للاستفادة منه فالضرر آت لا محالة وليس على المواطن فحسب وانما على المجتمع بأسره، فليت الذين يعمرون مجالس اللهو ومجتمعات النميمة والفضول ويبددون الاوقات في الاسواق والطرقات والمقاهي ويهدرون ليلهم بالسهر على ادارة مؤشرات الشاشات والقنوات الفضائية وما تبثه، ليتهم يدركون واجبهم نحو الوقت واهمية استغلاله في المفيد والبعد عن المعاصي، فمشكلة الفراغ وتشييع الاوقات بسيئ الاعمال وتافه الانشغالات مشكلة كبيرة يجب ان تحظى بالعناية والرعاية وجدير بنا ان نعد لها البرامج والخطط لضمان القضاء عليها، فكل اسباب البلاء تتأتي من الفراغ لاسيما اذا اجتمع معه الشباب والمال.
فالقضاء على الفراغ من واجب الجميع فهو داء يجب معالجته وتلمس الاسباب والعوامل الخاصة به واهمها التأكيد على ان الحياة قصيرة لابد من استغلالها وتعزيز الوازع الايماني والعقيدي وتنمية مسؤولية الاسرة والمجتمع واهل التوجيه والتربية وحملة الاقلام وارباب الفكر ونشر كل ما من شأنه شغل فراغ الابناء بما يعود عليهم بالنفع العظيم والخير العميم.
لذلك يجب ان يسعى ابناؤنا لشغل اوقات فراغهم بالاعمال الصالحة وتعزيز دراساتهم وتحصيلهم العلمي بما يعود بالسعادة والفلاح على الوطن ونعمل جاهدين على تركيز اوقاتنا وتنظيمها وحسن الاستفادة منها ويسعى الآباء الى تشجيع الابناء على الاطلاع والقراءة ونهل العلوم والمعارف، ونأمل من الاعلاميين والقنوات الفضائية ان تعمل على اعداد برامج تربوية وعلمية نافعة للشباب، فأبناؤنا امانة يجب ان نحسن رعايتهم ونعتني بهم فقد قال ( صلى الله عليه وسلم ): «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
نسأل المولى عز وجل التوفيق لشبابنا في شغل فراغهم بما يحقق الخير لهم ولوطنهم.
رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا