ليت شمس عاشوراء لم تشرق على كربلاء لأنها آذنت ببداية أفظع المآسي على آل الرسالة الذين لم يشفع لهم نسبهم النبوي الجليل للحصول على احترام ومراعاة الجيش الأموي الذي ملأ أرجاء كربلاء بعشرات ألوفه، فقام بأبشع عدوان على قلة قليلة لم تتجاوز المائة والخمسين شملت الصحابي الجليل والتابعي الصالح والعبد والحر والمرأة والرجل والطفل الصغير بل حتى الرضيع والشيخ الكبير والمسيحي والمسلم والفقيه وقارئ القرآن والخادم والسائس وربة البيت والبائع والشخص العادي..
خلطة عجيبة من الأفراد انصهروا في بوتقة حب آل النبي وأبنائه وتبني الدعوة للإصلاح تحت زعامة سيد شباب أهل الجنة ابن بنت رسول الله.
لقد أيقنت تلك الفتية أنه لا يمكن لسيد شباب الجنة أن يقودهم إلى الضلال أو يقوم بحركته عبثا أو مخالفة لأحكام الدين وإلا كيف يكون قائد شباب الجنة.
لقد آمنوا إيمانا مطلقا بصحة موقفهم فانطلقوا هاتفين ليلة العاشر من محرم حين سمح لهم القائد المحنك سليل النبوة بالانصراف إلى أوطانهم «ليت الموت أعدمنا الحياة.. والله لو أننا نقتل ثم نحرق ثم نحيا ثم نقتل ثم نحرق ثم نحيا.. يفعل بنا ذلك ألف مرة ما تركناك. وماذا نجيب جدك رسول الله يوم القيامة حين يسألنا لماذا تركتم حسينا وحيدا في كربلاء»؟ هذه العصبة المؤمنة واجهتها زمرة لم يكن شرب الدماء كافيا لإرواء غليلها من الحقد على البيت النبوي ولم تكن المثلة كافية لإشباع غريزتها الجاهلية في الانتقام.
زمرة لم تحمل من الإسلام إلا اسمه، دينها وديدنها كان اتباع الهوى والبحث عن الملذات. ولم تحرك فيهم ساكنا خطب الإمام الحسين وصحبه التي قالوها يوم العاشر من محرم تحذيرا وتذكيرا وبيانا.
لم يكتف الجيش الأموي في كربلاء بمحاصرة جيش وعيال الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وبركاته عليهم أجمعين وقطع الماء عنهم لمدة ثلاثة أيام وفيهم المريض والطفل الرضيع والشيخ الكبير ولم يكفهم منازلة الرجال في ساحة الحرب وقتلهم بجموعهم المتكاثرة بل عمدوا لملاحقة كل من كان في مخيم اهل البيت أيا كان عمره وإن لم يكن له دور في الحرب.
قتلوا طفلا رضيعا لأنه التصق بالإمام وقطعوا أيد صبية دون العاشرة من العمر لكونهم من عيال الحسين وضربوا النساء بأعمدة الحديد وأحرقوا الخيام على أهلها ولم تنته الحرب بعد.
أما بعدها وحين قتلوا جميع الرجال.. جمعيهم عن بكرة أبيهم ولم يبق في مخيم الإمام الحسين إلا النساء فهجموا على مخيم الأمام وأصحابه بهدف السلب وكأن ذلك المخيم لمن يكن لأبناء النبي..
هجموا على الخيام واحرقوها ولكم أن تتصوروا الأطفال المذعورين يفرون من النار ليجدوا أمامهم الخيول المغيرة الجامحة فتسحقهم بحوافرها وفوق ظهورها القتلة العتاة الذين يهوون على طفلة هنا وطفل هناك لقتلهم او سلبهم.
فداست الخيول عشرات الأطفال المرعوبين والأمهات الوالهات وغابت الحمية العربية التي يتحدثون عنها وصار السلب والنهب والافتخار بقتل طفل او سحل قتيل أو سلب امرأة هو مصدر الافتخار.
وبعد القتل عمدوا إلى أبشع انتقام من القتلى وهو المثلة التي لم يحلها الإسلام حتى بالكلب العقور..
فجهزوا عشرة من أقوى الخيول ليسلموها لأصحاب أقسى القلوب فقاموا بسحق جثث القتلى بعد أن قطعوا رؤوسهم.
إنها نكسة الأخلاق مارسها جيش ابن سعد وهو يبكي على الحسين بل ويعلن عدم جواز قتله لكنه التزلف لابن زياد ورجاء الجائزة من يزيد.
وكان مساء كربلاء ليلة الحادي عشر من المحرم كئيبا حزينا مخيفا على نساء تاهت في البرية وأطفال لم يعرف مصيرهم يبحثون عن آبائهم وأجساد قتلى من غير رؤوس بقيت ثلاثة ايام على التراب من غير دفن.
لله لكم يا آل رسول الله كم قاسيتم وكيف جوزيتم وقد كان جدكم الرسول الأعظم يوصي بكم «أذكركم الله أهل بيتي..
اذكركم الله أهل بيتي.. أذكركم الله أهل بيتي». انها مصيبة تتجدد مع التاريخ وتدمي العين وتعصر القلب بالأسى والحزن.
[email protected]