الحكومات هي التي تخلق المعارضة نتيجة إخفاقاتها فيما تقوم به من أعمال أو سوء قراراتها سواء كان ذلك الإخفاق في الأداء نتيجة تقصير أو قصور، وعندها تهب مجموعة من الأفراد لإنكار ذلك الخلل والمطالبة بتصحيحه، طبعا هذا إذا افترضنا أنه لا توجد أحزاب منافسة (للحكومات) ذات أجندات مختلفة وبالتالي تتربص لأعمال الحكومات. وتبقى الحصافة أن تدرك الحكومات أخطاءها وتبادر إلى إصلاحها سعيا إلى تحقيق العدالة.
وفي أحيان كثيرة تكون تلك الأخطاء مدارا لمناكفات ومناورات وحتى احتجاجات واعتراضات سياسية تكون في غالب الأحوال محصورة في نطاق السياسيين فقط وتبقى أغلبية الآراء دائما هي التي تحدد مدى السير في إقرار وتنفيذ ما يجري النقاش حوله، وفي هذه الأحوال تكون الشعوب صامتة ومراقبة وصابرة على ما يدور حولها وتستمر الأمور. لكن حين تكون الاعتراضات والاحتجاجات شعبية تقوم بها الشعوب فهنا يجب التوقف جديا، فالشعب حينما يتحرك فلأنه وصل إلى طريق مسدود في صبره مع الإجراءات الحكومية، وهنا قد لا تفيد الحكومات محاولات الترميم والتدارك، وحينه يكون الانهيار والتمرد وحتى الانقلاب نهايات محتومة.
وفي كثير من الأحوال تراهن الحكومات على صبر وتحمل شعوبها واستعدادها لمواصلة احتجاجاتها بل ويركب بعضها عجلة العناد وتتعقد الأمور أكثر وتعم الفوضى فيحدث القمع وتسيل الدماء وتصل الأوضاع لنهايات غير سارة. وبذلك تكون الحكومات لم تخلق المعارضة فقط بل ساعدت على الانقلاب. والمؤسف أن الحكومات لا تتعظ من بعضها حيث تسمع الدول بما يدور حولها في بلدان أخرى من أحداث لكنها لا تحرك ساكنا لتلافي الأوضاع المشابهة عندها قبل أن يستفحل الأمر، فتبقى مستمرة في غيها وقد قيل في الحكم العربية إن «العاقل من اتعظ بغيره» لكن من الواضح أن من يعمل في قمة الهرم الحكومي في كثير من البلدان لا يمتلك العقل كي يتعظ.
ونقلا إلى حالنا في الكويت، فصرخات نبذ الفساد الحكومي بل مظاهرات الجماهير الغاضبة التي عانت من وطأته تجري على أعتاب الكويت لكن ذلك لم يحرك شعرة في رأس حكومتنا ولم يغير من أسلوب تعاطيها مع الأمور ولم تتجاوب مع دعوات الإصلاح. لقد تعالت أصوات الناس هنا بالشكوى من الفساد وتأخير الإنجاز وسوء الأداء والمحاباة في التعيينات والتنفيع غير القانوني وعدم تطبيق القانون وهي جميعا أمور لا يصعب حلها وحلحلتها، فقط تحتاج إلى قرار شجاع وحكيم. فانقلب كثير من الناس إلى معارضين للحكومة ومتذمرين من تردي أدائها حيث مضت سنون عديدة والشعب يئن من تدهور الأوضاع ويطالب بالإصلاح وتطبيق القانون والعدالة.
والآن لجأ الشعب إلى النزول إلى الشارع وبشكل صامت وسلمي لعل الصوت يطرق أسماع الحكومة بشكل قوي كي تنتفض من غفوتها وتبادر إلى إيقاف التدهور قبل أن تنتقل إلينا عدوى الغضب الجماهيري (خاصة ونحن نشهد يوميا مظاهر الاحتجاج الشعبي حوالينا ومواقف الحكومات المختلفة في الاستجابة لها)، وحينها يكون لا مناص من التمرد وربما الانفلات وتكون الحكومة هي التي دفعت بالشعب للعنف والتمرد كما دفعته للمعارضة.
فهل تفعلها الحكومة وتستمع بجدية لقول الشارع الكويتي بعد أن فقد ثقته بمن لم يحملوا همومه ولم يجسدوها.
مطالبات الشعب الكويتي ليست بالصعبة ولا هي بالغامضة فما ضير الحكومة لو بادرت بالعمل الجدي على إرضائه وتحقيق متطلباته؟
حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.
[email protected]