البريد وما أدراك ما البريد، هو الجزء الحكومي المعطل والعاطل، ولا يبدو أنه يشغل أي حيز في اهتمام الحكومة وعملها ولا يقتصر الأمر في هذا على عدم تطويره بل يتعدى إلى عدم إعطائه دورا في كيان الدولة ومسيرتها اليومية.
وأنا أتحدث هنا من تجارب شخصية، من تلك التجارب مثلا أنني أرسلت من الكويت رسالة بالبريد المسجل لشركة سيارات كبرى في الكويت ذات عدة فروع مع وضع العنوان كاملا وبعد مرور شهر كامل عادت إليّ الرسالة مكتوب عليها لم يستدل على العنوان.
ومرة أرسلت رسالة بالبريد الممتاز لبلد عربي لديه نفس الخدمة وبعد شهرين وجدت أن الرسالة لا تزال في قسم الطرود في بريد مشرف. أما التجربة الثالثة فقد أردت إرسال طرد إلى كندا فقالوا لي إن الخدمات البريدية مع كندا موقوفة، ولما سألت عن الحل قالوا لا حل. كيف يتصرف الناس مع رسائلهم؟ الله وحده يعلم.
هذه ثلاث عينات مختلفة من خدمات بريدية لم تكن سارة أبدا، (إذا أغفلنا عما يقوله الآخرون وخاصة من داخل الخدمة عن التردي فيها)، وإن المرء ليستغرب فعلا عن سبب هذا التدني في الخدمة الذي لا مبرر له سوى عدم الشعور بأهمية هذا المرفق الحيوي.
إن دول العالم لا تدخر جهدا في الارتقاء بهذا المرفق لإدراكهم بحيويته لشعوبهم وشركاتهم وأيضا لأنه يدر عليهم ربحا وفيرا، فتجد مكاتب البريد في البقالات والمحلات ناهيك عن فروع البريد الرئيسية. وبذلك لا تجد أناسا كثر يراجعون دوائر الحكومة للاستفسار عن معاملة أو متابعة طلب، فيخف الازدحام في الطرقات. بعض الدول تستعمل البريد كأدوات ومراكز استثمار وتوفير.
هذا الوعي الراسخ لأهمية دور البريد والعناية به جعل من البريد قطاعا يجاري قطاع المواصلات العامة والاتصالات في تلك الدول التي تحاول على الدوام تطوير الخدمات البريدية وجذب المزيد من الزبائن لاستعمال تلك الخدمات، ولا يخفى على القارئ الكريم المنافع المتعددة التي تجنيها الدولة من وراء ذلك.
أما عندنا، فبالإضافة إلى الانحدار المتواصل في هذه الخدمات، نسمع الوعود تلو الوعود للارتقاء بخدمات البريد وترصد الميزانيات لذلك، ولكن على أرض الواقع لا نلمس إلا فراغا وسرابا، الرسائل تتأخر وعلاوة على ذلك عليك أن تبحث عن رسالتك بنفسك عوضا عن وصولها إلى عنوانك المسجل عليها. إن الكويت فعلا «تكسر الخاطر» لأن بلاءها منها وفيها ولم يبق إلا أن ننتظر داهية تحل بالقائمين على هذا المرفق علهم يتزحزحون من كراسيهم لإصلاح هذا الوضع المزري.
[email protected]