أكتب اليوم وحبر الصحافة لم يجف حول تجاوزات رجال «المباحث»، أكتب وتملأ القلب حسرة لأن يحتاج رجال البوليس الكويتي بوليسا لهم، لا يأخذ الموضوع منا كي ندرك مدى تجاوزات رجال المباحث أن نقوم ببحث موسع واستبيانات حول من تعرضوا للاضطهاد من قبل رجال المباحث، بل إن كل ما نحتاجه هو أن ننظر للنظام الإداري المتخلف الذي يحمي ممارساتهم، المشكلة ليست مشكلة أشخاص، أي هؤلاء الرجال في المباحث، بل مشكلة هذا النظام الذي سمح لهم بأن تمتد أيديهم لكل شيء «فيتفرعنوا» دون أن يجدوا محاسبة تذكر.
لنسأل هؤلاء المستضعفين ممن يعيشون على هذه الأرض، وافدين كانوا أو «بدون» أو كويتيين بلا «واسطة»، عن تجربتهم مع رجال المباحث، لقد سألت بعضهم، ولكني قرأت أيضا ما كتبته بعض الصحف الكويتية عندما فتحت أبوابها لشكاوى هؤلاء المستضعفين فامتلأت على مدار أيام عدة ولم يكن بالإمكان استيعابها كلها، (هل تذكرون كمية الشكاوى من قبل هؤلاء ضد رجال المباحث والتي قدمت لوزارة الداخلية بعد فضيحة الشهيد الميموني؟) هذا فقط جزء من القصة!
رجال المباحث في مناطقنا الكويتية، إلا من خاف ربه وراعى ضميره، منهم من يستغل مهنته لابتزاز وإخافة عمال مطعم ما ليحصل على وجباته «فري» أي «ببلاش»، ومنهم من يبتز «بنشرجي» لإصلاح سيارته بأبخس الأثمان...الخ. ولم لا؟ أليس من حقه «قانونا» أن يستدعي أي شخص ويخفيه عن الأعين لمدة أربعة أيام قبل عرضه على محقق؟ أليس من حقه، بعد أن احتجز هذا الشخص لأربع ليال بعيدا عن أهله وأبنائه، أن يخلي سبيله من دون عرض على تحقيق؟ هكذا! ودون أن يستدعى ليسأل عن فعلته ولك أن تتخيل ما يمكن أن يحدث في هذه الأيام الأربعة: غرفة باردة جدا؟ حارة جدا؟ تبول ذاتي أو تغوّط لعدم السماح بالذهاب للحمام؟ ضرب دون ترك أثر (وكم هم متخصصون في ذلك ولكن ليس في كل الأحيان)، وكل ما يمكن أن تفكر فيه من حط للكرامة والإهانة (القانونية) وهي الكلمة التي تعني في معجمهم عدم وجود دليل مادي أو شهود لإثبات واقعة التعذيب، لقد وضعت إدارة الرقابة والتفتيش بوزارة الداخلية لمحاسبة مثل هذه التجاوزات من قبل أفرادها الذين يستغلون سلطتهم أبشع استغلال، ولكن هيهات فمن ذاك الذي يأمن أن يشتكي وزارة الداخلية لوزارة الداخلية؟ من ذاك الذي يأمن ألا يعود ضابط المباحث فينتقم منه، خاصة إذا كان الضابط كما يقول الكويتيون «وراه ظهر»؟
ما نتحدث عنه هنا وما نطالب به هو حفظ بدائي لمبدأ العدالة والإنصاف، أليس من الضروري للحفاظ على حيادية المباحث أن يحضر محامي المتهم عملية استجوابه؟ أليس من الضروري وجود جهة حيادية أخرى غير وزارة الداخلية، وهي الطرف الخصم، تضمن سير عملية التحقيق بمهنية ودون حط من كرامة الإنسان؟ لم ينبغي على الإنسان أن يقضي أربعة أيام مختفيا عن العالم دون أدنى حق في رؤيته وزيارته؟ لم ينبغي على المتهم (البريء الذي لم تثبت إدانته بعد) أن يقع فريسة لضابط يحقق معه تدفعه لاإنسانيته أن «يكتب اعترافات» من نسج خياله؟ هل نسينا أن قلم الضابط هنا هو الذي يكتب؟ بل ومن دون أي رقابة على كل ما كتب؟ منا لوزير الداخلية بأن يتم العمل الفعلي على إصلاح الجهاز الأمني، فلقد شوه هذا الملف سمعة الكويت في الخارج.
[email protected]