لقد درست في مدارس كان منهجها يرضعنا الاشتراكية والعروبة ومحاربة الرأسمالية وما شابه، وبعد ذلك وخلال الخمس عشرة سنة الماضية تحولت بلدي سورية إلى بلد رأسمالي جدا على عكس ما ورد في كتبنا المدرسية بأن هذا لن يحدث، بالإضافة إلى أن العدو هو الولايات المتحدة ومخططاتها الإمبريالية ومكائدها ضد أوطاننا، هي ما كنا نردده عاليا من شعارات في الطابور الصباحي!
والغريب في الأمر والذي أتمنى أن اجد تفسيرا له هو زحف الكثير ممن لقمونا هذه الشعارات الى الارض الأميركية لإنجاب اطفالهم هناك على ارض المكائد والمؤامرات وحرمانهم من جوازات سفر الكرامة، المقاومة والتصدي..!
كتبت هذه الأسطر وأنا في مدينة نيويورك الأميركية، إنها بلاد العم سام، بلاد التطور العلمي والتقني، بلاد الديموقراطية والحريات...
إن بين أميركا و«المتأسلمين» ما صنع الحداد من حروب ومعارك على مر الزمن، وقد مرت الولايات المتحدة بحرب عرقية راح ضحيتها الآلاف، ومع ذلك فقد وصل إلى سدة الرئاسة رئيس أسود من أصول مسلمة، هذه هي الولايات المتحدة، بلاد الفرص المتساوية للجميع، بلاد العدل والحق.
لقد حاولت خلال العام الماضي زيارة العديد من البلدان العربية (مصر، قطر، تونس، المغرب،..) ولكن ومن قبل حتى سؤالي عن غرض الزيارة، يأتي الجواب بالرفض كوني أحمل جواز السفر السوري.
(سيد منير نتمنى أن تقضي وقتا ممتعا في الولايات المتحدة) هي الجملة التي أسمعها دائما عندما أتقدم بطلب الفيزا للولايات المتحدة...
والفرق في المواقف كان أيضا نقيضا لما درسناه في المدارس وتعلمناه في كتب القومية والوطنية ونقيضا للشعارات التي كنت أرددها كل صباح..بأن العرب اخوة والأميركان هم الأعداء.
اشعر بالندم على عدم بقائي هنا عندما قدمت لأول مرة منذ 15 عاما، ان مسؤولياتي والتزاماتي تمنعني من أن أقضي بقية حياتي هنا الآن مع انني أرغب في ذلك بشدة!
لم أبق آنذاك لأن خططي كانت بالعمل في بلدي الأم، حيث كنت أرى المستقبل والفرص، لم يكن يخطر في بالي أبدا بأن بلدي سيتحول الى مزرعة رأسمالية لا مكان لأصحاب المشاريع الصغيرة بها، وبأن أبناء بلدي سيقومون بتقطيع أوصال ورقاب بعضهم البعض لاحقا، وبأن التعايش سيصبح حلما لن تحققه أنهار الدماء التي سالت فيما بينهم.
لا أعلم ماذا حل في بلدي، ولكنها حتما ليست الوطن الذي حلمت به عندما كنت صغيرا.
ومن كنت أردد أنهم اخوة لم يستقبلوني، ومن رددت عاليا بأنهم أعداء فتحوا ذراعيهم لاستقبالي.
٭ ملاحظة 1: السياسة تشبه كثيرا الحب المزيف.
٭ ملاحظة 2: ان هذا المقال رومانسي وليس سياسيا.
[email protected]