لا اعتقد ان هناك عملا يسمو على العمل الشرعي ايا كانت صفته وظيفة او تطوعا، فالعمل الشرعي النابع من معين الكتاب والسنة واجماع الأمة تجد أثره نافعا وخيره متعديا يُبتغى به وجه الله ورفع كلمته بالحكمة والموعظة الحسنة ونصرة المكروب وإغاثة المستغيث، فإذا جمع حامل المسك حافظ القرآن والسنة الفقه بهما وبالدين عموما ومقاصده اتصف بالخيرية الواردة بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «من يرد الله به خيرا يفقهه بالدين».
لذلك فخريجو كليات الشريعة الاسلامية قد استقوا من ماء معين وتشربوا حلو العلم وعمق البصيرة وانغرس فيهم فقه الفقهاء ورجاحة عقول العلماء، فأينما كانوا يفترض ان ينفعوا وأينما عملوا يفترض ان ينتجوا، وما كانت الشريعة يوما الا احكاما ونظما وضوابط ولها فضل السبق بذلك، فلا يبتسر حقهم بالتعيين في المناصب القانونية التي لا تخلو من اسس وقواعد شرعية.
وحول ذلك قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قرار مجلس الخدمة المدنية رقم 11/2005 الذي منح مزايا مالية لحملة الشهادات القانونية دون نظرائهم بذات العمل ممن يحملون شهادة الشريعة إذ «إنه من المسلمات كأصل عام أن شغل الوظيفة العامة ينسحب أثره على الوظيفة بجميع التزاماتها ومزاياها المقررة قانونا، وذلك تحقيقا للعدالة التي لا تستقيم موجباتها إلا بتحقق المساواة في المعاملة بين جميع الموظفين الذين يقومون بالعمل ذاته، وهو الأمر الذي لا يجوز معه لمجلس الخدمة المدنية في استعماله للسلطة المخولة له قانونا في تقرير المزايا الوظيفية أن يتخذ من المنح او المنع أداة للتفرقة بين الموظفين الذين تماثلت مراكزهم القانونية، واتحدت عناصرها وخصائصها، لاسيما إذا كانت هذه العناصر تم الاعتداد بها مرتبا عليها أثر قانوني، لا يتصور مع توافرها وتولد المراكز القانونية عنها، أن ينتقص من المزايا التي ربطها بوجودها، وإلا خرج الأمر من دائرة المواءمة ونطاق الملاءمة ليدخل من باب التمييز الذي يخل ولا شك بمبدأ المساواة وبميزان العدل والإنصاف».
وفصل الحكم مقصده بقوله «وحيث ان القرار المطعون فيه قد ربط المزايا المالية الواردة به بشغل الوظائف القانونية بالجهات الحكومية، وقصر الإفادة من تلك المزايا على حملة مؤهل الحقوق او القانون الشاغلين لهذه الوظائف من تاريخ العمل به، وحجب تلك المزايا عن حملة مؤهل الشريعة حال أنهم في ذات التاريخ وإن تباينت مؤهلاتهم الجامعية الا أنهم جميعا في مركز قانوني متماثل، فهم يشغلون وظائف قانونية وهم متحدون في معاملتهم في مجال هذا التخصص الأمر الذي يقتضي معه وحدة القاعدة القانونية واجبة التطبيق في حقهم، وإذ أقام هذا القرار تمييزا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتوافر عناصرها حيث جعل القرار من القاعدة القانونية التي تحكمها أوضاع هذه المراكز قاصرة عن استيعابها مناقضا بذلك مبدأ المساواة الذي يكفل المعاملة القانونية المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة، وبالتالي فإنه ومن ثم يكون قد جاء مخالفا للمادة 29 من الدستور، وترتيبا على ذلك يتعين القضاء بعدم دستورية هذا القرار (الطعن رقم 7/2007 دستوري، الصادر في 10/12/2007).
والله أسأل ان يرزقنا الإنصاف في القول والعمل.