أدت الأحداث الأخيرة إلى ظهور سخط واضح من فئات مختلفة من الشعب الكويتي الذين اتفقوا على استنكار أي محاولة للعبث بالدستور رغم اختلافاتهم الفكرية أو الطائفية، فمنهم من يرى أن الحكومة مقصرة ومنهم من يرى أن النواب الموالين للحكومة هم المقصرون. ويجب ألا يدفعنا هذا الحماس للتغيير والإصلاح إلى تجاوز حقوقنا أو واجباتنا كشعب جبل على الديموقراطية واحترام القانون والسلطات، فليس من حقنا ولا من واجبنا محاسبة الحكومة، فنحن لا نختار رئيسها ولا وزراءها، ولكن من علينا أن نحاسبهم هم النواب، فنحن من اختارهم، ونحن من عمل على إيصالهم إلى قاعة عبدالله السالم، ونحن من نستطيع أن نزيحهم عن مناصبهم، إذا رأينا في عملهم خللا أو تقصيرا.
فعلى كل ناخب وناخبة أن يراجع ما جرى في الأحداث الأخيرة، ولننظر للحقائق بعيدا عن الاتهامات والإشاعات التي ملأت صحفنا وفضائياتنا، فبداية ما جرى هو طلب رفع الحصانة عن د.فيصل المسلم على خلفية قضية تم رفعها من أحد البنوك بتهمة كشف أسراره المصرفية، حيث قام النائب الفاضل بكشف وثيقة رسمية للبنك أثناء جلسة استجوابه لسمو رئيس مجلس الوزراء. وهذه ليست المرة الأولى التي تم طلب رفع الحصانة عن نائب، فخلال العقود الخمسة الماضية تم تقديم العديد من طلبات رفع الحصانة، ومنها ما تم قبوله كرفع الحصانة عن المرحوم سامي المنيس بصفته رئيس تحرير جريدة على خلفية نشر عدة مقالات، ومنها ما تم رفضه كطلب رفعها عن المرحوم جاسر الجاسر على خلفية اتهامات وجهها لمسؤولين في البلدية، والواضح عزيزي القارئ أن الحصانة التي رفعت كانت على أمور حدثت خارج قاعة المجلس وأثناء فترة لم يكن الشخص عضو مجلس أمة كفترة الانتخابات.
أما طلب رفع الحصانة عن د.المسلم فيعتبر حادثة تاريخية وسابقة قانونية، فطلب الرفع أتى على خلفية أقوال وأفعال حدثت داخل قاعة المجلس أثناء عضوية د.المسلم بالمجلس وتحصنه بالدستور وأحكامه خصوصا المادتين 108 و110 اللتين تنصان على أن عضو المجلس لا يؤاخذ على ما يبدر منه داخل البرلمان خصوصا عند توجيه انتقادات لمسؤولي الدولة أو القطاع الخاص وتدعيمها بأدلة وبراهين. وفي 28 نوفمبر رفضت اللجنة التشريعية بواقع 4 أصوات مقابل صوت طلب رفع الحصانة مؤكدة على مبدأ حصانة النائب لكل ما يقوله ويطرحه من أفكار تحت قبة عبدالله السالم، خصوصا أن صحيفة الادعاء لم تتطرق إلى كيفية حصول النائب على الوثيقة، بل تمحورت حول قانونية عرضها في المجلس، لذا كان من المتوقع أن يقوم المجلس بالتصويت على رفض طلب رفع الحصانة في جلسة 30 نوفمبر وتنتهي هذه المشكلة حيث إن الحصانة سترفع تلقائيا في 9 ديسمبر إن لم يصوت المجلس عليها لمرور شهر على تقديم الطلب ـ رغم أن البعض يجادل في أن مدة الشهر تحسب من أول جلسة صحيحة للمجلس لا من تاريخ تقديم الطلب.
وبدل أن يتم التصويت مع أو ضد رفع الحصانة، تغيب عن تلك الجلسة أكثر من 20 نائبا و15 وزيرا، فرفعت الجلسة لعدم اكتمال النصاب، ثم تكرر المشهد في جلسة الأربعاء 1 ديسمبر، ثم تكرر المشهد في جلسة الاثنين 6 ديسمبر، وهنا مربط الفرس، فتغيب 15 وزيرا 3 جلسات متتالية، وإن كان تقصيرا من الحكومة لا يخالف القانون فوجود وزير واحد يكفي لتمثيل الحكومة في المجلس. ولكن ما هي أعذار النواب المتغيبين؟ وما سر تغيب 20 نائبا لـ 3 جلسات متتالية بلا مبالاة أو اهتمام مما خلق هذه الأزمة؟ قد لا يكون من حقنا محاسبة الحكومة ولكن من واجبنا كشعب تحكمه الديموقراطية واحترام مؤسسات الدولة وعلى رأسها مجلس الأمة محاسبة هؤلاء النواب المقصرين. إن كنت ممن لم تعجبهم الأحداث الأخيرة وبرأيك أن هناك محاولات للتعدي على الدستور، حاسب من يمثلك في مجلس الأمة.
والله ولي التوفيق.
[email protected]