بداية نبارك للقراء الكرام هذا الشهر الفضيل وأسأل الله العظيم أن يعيده علينا أياما عديدة وسنين مديدة باليمن والرفاه والبركات، ولقد عاهدت نفسي في هذا الشهر الفضيل أن أحــاول أن أركز على كتابة المقالات التي تخص الإدارة والاقتصاد في الإسلام وتطبيقاتها الحديثة، ونبدأ اليوم بمفهوم الإدارة بالأخلاق وأهميتها في الإصلاح الإداري وتطبيقاتها الحديثة على الإدارة الكويتية.
أولا: الإدارة بالأخلاق في ديننا الحنيف:
الإسلام كله حث على الفضيلة والصدق والتمسك بالأخلاق الحميدة، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وأيضا قال صلى الله عليه وسلم: «أقربكم مني مكانة يوم القيامة أحسنكم أخلاقا بين الناس»، وعنه صلى الله عليه وسلم: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء».
1 ـ حث الإسلام على الصدق والنهي عن الكذب: وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا»، وسأل صلى الله عليه وسلم «أيكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم، فقيل له أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لا» (صححه الألباني).
2 ـ إيفاء العقود: حيث يقول الله عز وجل في سورة المائدة: (يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) وفي تفسير هذه الآية أي مطلق العقود، فأي عقد بينك وبين آخر قد يكون مسلما وقد يكون غير مسلم، ينبغي أن تفي به، والقاعدة الشرعية تقول هنا: المسلمون عند شروطهم، فأي عقد بينك وبين أي إنسان أنت كمسلم ملتزم أن تطبق شرع الله الذي يأمرك بأن تفي بهذا العقد.
3 ـ الالتزام بالوعود: فالمسلمون عند مواعيدهم ملتزمون بها، حيث يقول الله سبحانه وتعالى واصفا إسماعيل عليه السلام (انه كان صادق الوعد)، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية ان إسماعيل عليه السلام كان إذا واعـــد إنسانا يأتي قبل يوم من المـــوعد ولذلـــك وصـــفه الله أنه كان صادق الوعد، وأيضا يصف النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المسلم الذي يخلف الوعد بأنه لديه صـــفات المنافق، ففي حديث البخاري، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أربــــع من كن فيه كان منافقا أو كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجـــر»، وقال أبوبــكر: «آفـــة المروءة خلــف الوعد»، ويقول العلماء ان إخـــلاف الوعد هو ربع النفاق، وليت شعري نرى المسلــمين اليوم ان أهون ما عليهم إخلاف الوعد والوقوع في هذا الخلق الذميم والمخالف للمروءة، فنراه يتأخر عن موعده وبدون عذر يذكر، وهنا نذكرهم أيضا بقول النووي: «أجمعوا على أن من وعد إنسانا شيئا ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده».
4 ـ البعد عن الغش: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار» صححه الألباني، ويقول الله سبحانه وتعالى: (يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)، وعن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم «ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم يموت وهو غـــاش لرعــيته إلا حرم الله عليه الجنة»، فسبحان الله كم من غش لدينا في الأسواق، وكم من مديرين لا يؤدون واجباتهم الوظيفية فيقعون تحت طائلة هذه الأحاديث والآيات وهم لا يشعرون.
5 ـ العدالة في تطبيق القرارات: يقول الله سبحانه وتعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، ويقول سبحانه وتعالى أيضا: (إن الله يأمر بالـــعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون)، يقول أحد الصحابة لازلت في شك من ديني حتى نزلت هذه الآية لأن فيها كل خـــير يأمر وفيها كل شر ينهى عنه، وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ان قريشا أهمهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله، ومن يجترئ عليه إلا أسامة فكلمه أسامة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله»، ثم خطب فقال: إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، فأمر النبي بقطع يدها»، وفي الحديث بيان تحريم الشفاعة في حد من حدود الله إذا وصلت الإمام وأهمية تطبيق العدالة على الجميع وأنه لا فرق بين غني وفقير.
6 ـ رفض قبول الهدايا في الوظائف العامة: ففي الحديث الشريف «أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من الأسر يقال له ابن اللتبية، على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا لي أهدي لي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم، وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا، والذي نفسي بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تعير ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي أبطيه ثم قال اللهم هل بلغت مرتين»، فهذه القاعدة وهي تحريم الهدايا على العاملين والموظفين بالدولة هي قاعدة قديمة بالإسلام وللأسف اليوم لا تطبيق لدينا بينما نجدها تطبق في الدول الغربية.
7 ـ العدالة حتى مع غير المسلمين: في قصة تبين أن العدالة تطبق على الجميع أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقد درعا له، ثم وجدها لدى يهودي يبيعها، فقال: هذه درعي لم أبع ولم أهب، فقال اليهودي: درعي، فقال أمير المؤمنين رضوان الله عليه: نذهب إلى قاضي المسلمين، شريح، فقال القاضي: البينة يا أمير المؤمنين، قال: نعم قنبر والحسين يشهدان أن الدرع درعي، فقال القاضي: شهادة الابن لا تجوز للأب، فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه قضى عليه؟ أشهد أن هذا للحق، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الدرع درعك كنت راكبا على جملك الأورق، وأنت متوجه إلى صفين، فوقعت منك ليلا فأخذتها، فأهداها له أمير المؤمنين لإسلامه. وفي قصة أخرى للإمام العادل عمر بن عبدالعزيز الخليفة الخامس، أنه عندما احتل قتيبة بن مسلم سمرقند، احتلها بدون أن ينذرهم أو يطالبهم بالجزية أو يسلموا، فاشتكوا إلى عمر بن عبدالعزيز رضوان الله عليه فأرسل إلى قاضي المسلمين أن احكم بينهم، فقال القاضي لقتيبة بن مسلم «والله ما نصر الله هذه الأمة إلا بوفائها بما ائتمنت عليه من عهود (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)، يا قتيبة (لا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون)، فقال القاضي: حكمت بأن يخرج جميع المسلمين كافة من سمرقند خفافا كما دخلوها وتسلم إلى أهلها، ثم نطبق شرع الله بأن يعطوا إنذارا لأهل المدينة لمدة شهر حتى يستعدوا بأن يسلموا أو يدفعوا الجزية أو القتال، فخرج جيش المسلمين بما فيهم القاضي، ولما رأي أهل سمرقند من عدالة الإسلام دخلوا جميعا أفواجا في الإسلام بدون قتال، وهكذا عدالة الإسلام على الجميع وصفة لا تنفك عن المسلم الملتزم.
8 ـ الأمانة والقوة: يقول الله سبحانه على لسان ابنة شعيب عليه السلام عن موسى: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)، فالقوة والأمانة مطلب ضروري في الاستعمال والتوظيف لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الصحابي الجليل رضوان الله عليه: «يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم»، وعندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقالوا وكيف إضاعتها يا رسول الله؟، قال: إذا وكل الأمر إلى غير أهله»، وأيضا قال سبحانه وتعالى: (ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
9 ـ الشورى والعمل الجماعي والبعد عن القرارات التسلطية: الشورى جزء أساسي من البناء السياسي والإداري في الإسلام حيث أنزل الله سبحانه وتعالى سورة كاملة أسمها الشورى، وأيضا جاءت آية الشورى في آل عمران بقوله عز وجل: (واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) حيث نزلت هذه الآية بعد معركة أحد التي كانت الشورى هي جزء أساسي من مكوناتها وعليه هزم المسلمون ولكن الله سبحانه وتعالى شدد على نبيه صلى الله عليه وسلم في تأكيد موضوع الشورى وهو قوله: (واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)، ولقد كانت الشورى هي منهجية النبي صلى الله عليه وسلم في الإدارة والسير في أمور المسلمين الحربية والاقتصادية والسياسية والأسرية. ففي صلح الحديبية كانت مشـــاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأم ســلمة أم المؤمنين هي التي أنقـــذت الموقـــف وجعلت الصحابة يتبعون نبيهم صلى الله عليه وسلم في التحلل من الإحرام، واتبع الصحابة رضوان الله عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في استخدام الشورى في الحكم واتخاذ القرارات الإدارية، فكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لديه مجلس من كبار فقهاء الصحابة يشاورهم ويأخذ برأيهم في أمور الأمة الإسلامية، وهكذا كان عمر بن عبدالعزيز رضوان الله عليه، فالشورى جزء أساسي من مكونات الأمة الإسلامية وإن بعدت عن تطبيقها.
10 ـ البعد عن المال الحرام واستغلال حاجات الناس: فالإسلام منع الاحتكار حيث قال صلى الله عليه وسلم «المحتكر خاطئ»، وقال عمر بن الخطاب أمير المؤمنين في عهد خلافته «لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا...»، وأيضا نهى الإسلام عن الربا واستغلال حاجات الناس وجعله أشد أمر يحارب الله عليه فقال عز وجل عن الذين لا ينتهون عن أكل الربا (فأذنوا بحرب من الله ورسوله).
بقلم: د.وليد عبد الوهاب الحداد
[email protected]