أمر سمو الأمير حفظه الله بمكرمة أميرية قيمتها 1000 دينار لكل فرد كويتي، بالإضافة إلى إعطاء المواد التموينية لمدة سنة مجانا، ونشكر سمو الأمير على هذه المنحة ويستاهل الشعب الكويتي بعد مرور 50 عاما على تأسيس دولة الكويت، ولكن المشكلة أن باب العطايا والزيادات فتح على أوسع أبوابه، فتمت زيادة العسكريين 100% وبمبلغ يكلف الميزانية سنويا 250 مليون دينار، وهناك زيادة المعلمين، وزيادة العاملين في الحكومة 100%، وزيادة الفنيين في القطاع الخاص لمساواتهم بإخوانهم في الحكومة وهكذا.. وهذا فيه تدمير لسياسات وتوجيهات الدولة من عدة نواح:
1- الجهاز الإداري في الحكومة كلفته عالية جدا، ويحتاج إلى إصلاح قبل تقرير أي زيادات له، فقانون الخدمة المدنية والذي وضع في السبعينيات ولم يمس إلى الآن وضع بمرحلة ومفهوم توزيع الثروة على المواطنين من خلال الوظيفة، هذا بالإضافة إلى تخلفه عن توظيف عدة مفاهيم أساسية بالإدارة تعيق وظيفة الجهاز الحكومي، منها الرقابة، أنظمة تعيين القياديين، الوصف الوظيفي، التخطيط الاستراتيجي، أنظمة الحوافز، التخطيط الوظيفي وخطط القوى العاملة وغيرها من الأنظمة الإدارية الحديثة، فنحن بحاجة إلى إعادة هيكلة الجهاز الإداري الحكومي أولا، ونسف القانون الحالي للخدمة المدنية وبنائه على قاعدة الإنتاجية وتحمل المسؤوليات وتحقيق النتائج مقابل الأجر، فالضخ المالي في الجهاز الإداري الحالي يضخم الجهاز الحكومي ويعيق تقديم الخدمات ويرفع كلفتها.
2- رفع كلفة الخدمات العامة، فباب الرواتب والأجور في ميزانية 2009 بلغ 3 مليارات دينار من دون حساب رواتب العسكريين، وفي ميزانية 2010 بلغ 4 مليارات أيضا من دون رواتب العسكريين وزيادة الرواتب كلفتها 250 مليونا، فهي إذن قد تبلغ مليار دينار فإذا قلنا ان بند الرواتب والأجور قد بلغ 5 مليارات ونحن نطالب بالزيادات 100% فمعنى ذلك أن هذا البند سيبلغ 10 مليارات دينار، وهذا يرفع كلفة الخدمات العامة بشكل غير محدود، ونحن هنا لا نعترض على الزيادات في الرواتب أبدا، ولكن الرواتب يجب أن تكون مقابل عمل وتحقيق نتائج وإنتاج ينفع البلد أولا ثم المواطنين ثانيا.
3- كنت في مؤتمر اتحاد العقاريين منذ أسبوع وكانت هناك شكوى اقتصادية من جميع العاملين في القطاع الخاص بأن رفع وزيادة الرواتب في الحكومة يقابله هجرة معاكسة من القطاع الخاص إلى الحكومة ويرفع الكلفة الاقتصادية للقطاع الخاص لأنه مطلوب منه تحقيق نسب معينة من العمالة وبالتالي عدم قدرته على المنافسة مع نظرائه من الدول الخليجية والعربية وغيرها.. وقد صرح منذ فترة رئيس جهاز إعادة الهيكلة بأن الحكومة تزمع توظيف 20 ألف كويتي في القطاع هذه السنة، وهذا أمر مشكوك فيه في صحته في ظل توجه الحكومة إلى الزيادات والكوادر في أجهزتها الحكومية، ولقد شهد القطاع الخاص هجرة كبيرة من المهندسين إلى الحكومة بسبب نسبة الرواتب المرتفعة في الحكومة عن القطاع الخاص، فيجب وقف توجهات الحكومة في الزيادات حفاظا على العاملين في القطاع الخاص، وتأكيدا لسياساتها المعلنة لزيادة نسبة العاملين الكويتيين في القطاع الخاص.
4- الكلفة المستقبلية للزيادات والهبات ستكون عالية اقتصاديا، فقد نشر تقرير الشال أن هناك 500 ألف عامل كويتي سيدخلون سوق العمل في العقدين الحاليين، وإذا عرفنا أن العاملين الحاليين في الحكومة 200 ألف وأن كلفة رواتبهم 5 مليارات دينار، فإن هذا معناه انك بحاجة إلى 15 مليار دينار لباب الرواتب والأجور وهذا غير متحقق لسببين: الأول أن استمرار أسعار النفط في الارتفاع وبقيمة 100 دولار أمر غير مضمون، وثانيا أن هذا المبلغ يوازي أكثر من إنتاجنا الحالي من النفط، وهذا سيضع أبناءنا في المستقبل أمام خيارات صعبة جدا في الحصول على وظائف، فنحن نهدم المستقبل بسياساتنا الحالية.
5- حكومتنا التي تحب التخطيط والدراسات (بس ما تنفذ) أنفقت 6 ملايين على دراسات بلير، ودراسات ماكينزي، ودراسات البنك الدولي هذا بالإضافة إلى وجود عدة مجالس استشارية منها مجلس التخطيط، والتعليم وغيرها بالإضافة إلى معهد الأبحاث، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وجميع الدراسات السابقة تشير إلى شيء واحد «أنتم في خطر»، ويجب تغيير السياسات الحالية، والمستقبل لا يبشر بالخير في ظل السياسات المتبعة، ولكن لا حياة لمن تنادي، وهناك مقولة معروفة في الديوانيات مفادها (الكويت تدرس وتفكر، ودبي وقطر تنفذان)، يا حكومتنا العزيزة نحن بحاجة إلى تنفيذ مللنا الدراسات والخطط.. والله ثم والله ان الوضع والهيكلة السياسية الحالية لن تتغير في حالة التنفيذ بل ستزداد صلابة وقوة.
6- من الواضح أن التغيرات الهيكلية السياسية في العالم العربي أصابتنا بالهلع والذعر وجعلت حكومتنا توافق على جميع ما تطلبه المعارضة وما يطلبه الناس من عطايا وزيادات رغبة في التهدئة، وهذا طبعا خوف وهلع في غير محله لأسباب عدة:
- في دراسة ثبت أن الكويت وقطر أقل دولتين عربيتين عرضة للتغيير.
- ان الكويت دولة مؤسسات وحكومة ديموقراطية وإعلام حر، وهذا يجعل جميع الكويتيين يتمسكون بالنظام الحالي والحمد لله - الله لا يغير علينا، فالدول التي بها اهتزازات سياسية بالغة الظلم، وبها غياب للديموقراطية والحريات، فالوضع بالطبع عندنا يختلف.
- لقد أعطى الغزو درسا للجميع بأن الكويتيين متمسكون بالنظام الحالي ويرضونه ولو وضعت السيوف على رقابهم، وهذا يعطي دليلا على تمسك الشعب بأسرة آل الصباح الكريمة.
- الكويتي أعلى دخلا في العالم، ولديه التعليم والعلاج بالمجان، وقروض سكنية وزواج، ووظيفة مضمونة فلماذا التغيير..؟
7- كسب الرضاء السياسي من خلال الهدر المالي قد يكون له مكاسبه الآنية ولكنه على المدى الطويل مدمر وله آثاره السلبية جدا سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي وبالأخص عندما تكون الدول عاجزة عن توفير الوظائف والخدمات والرفاهية، أما الإصلاح الإداري والمالي فقد يكون مؤلما وليست له مكاسب سياسية على المدى القصير ولكن له آثاره الإيجابية والبناءة على المدى الطويل بالأخص عندما يكون هناك ازدهار اقتصادي واستمرارية في الرفاهية للشعب، وتوافر مصادر بديلة للدخل، وفي رأيي المتواضع أنه لا مفر أمامنا إلا السير في أجندة الإصلاح الإداري والاستفادة من الفرص التاريخية المتاحة لنا في الوفرة الاقتصادية من الدخل النفطي وأسعاره المرتفعة، وإلا فاننا نقوم بالانتحار الاقتصادي وتدمير أنفسنا بأيدينا.
8- في دراسة للبنك الدولي، فإن الكويت تتراجع في «سهولة القيام بالأعمال» عام 2010 لتصل إلى درجة 74 ضمن 183 دولة ومنها تراجع البدء في مزاولة النشاط وإجراءات استخراج تراخيص البناء، وتسجيل الملكيات، وإجراءات الحصول على تحويلات، وجدير بالذكر أن السعودية تحتل المرتبة الأولى خليجيا في سهولة ممارسة الأعمال (11 من التصنيف العالمي، والكويت السادسة خليجيا).
ولن أعلق هنا على الإحصائيات وأترك الحكم للقارئ ولكن يكفي أن الإيرادات النفطية مازالت تمثل 93%من جملة إيراداتنا بعد 50 سنة من اكتشاف النفط لتبين حجم الفرص التاريخية التي نضيعها في سوء الإدارة لدينا، وأيضا تعدت مصروفاتنا جملة إيراداتنا، ولنا أن نتصور الوضع بعد عشرين سنة إذا استمرنا بهذا الأسلوب من الإدارة الحكومية.
[email protected]
(يتبع المقال القادم البيئة والمناخ الاقتصادي المناسب للتطوير والتنمية)