- إنشاء هيئة مكافحة الفساد فرض واقعاً جديداً على الأجهزة الرقابية بالدولة
- ما قام به ديوان المحاسبة من تعاون مع هيئة مكافحة الفساد يجسد تماماً مقاصد المشرع من التعاون بين الأجهزة الرقابية
بقلم: بدر مشاري الحماد نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
baderalhammad.com
على الرغم من تتعدد الأجهزة الرقابية في الدولة باختلاف نوعية رقابتها، إلا أن تلك الأجهزة تجتمع على هدف رئيسي وهو حماية وصيانة الأموال العامة من المساس، سواء أكان ذلك متعلقا بالجانب المالي أو الإداري على حد سواء، لذلك يركز المشرع في قوانين إنشاء الأجهزة الرقابة المختلفة على التأكيد على أهمية دور تلك الأجهزة في الحفاظ على الأموال العامة متمثلة بموارد الدولة المختلفة.
فنجد في قانون إنشاء ديوان المحاسبة رقم 30 لسنة 1964 وتعديلاته أن الهدف الأساسي من إنشائه، وفقا لما جاء في نص المادة الثانية من القانون، هو تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة لصونها ومنع العبث بها، والتأكد من استخدامها الاستخدام الأمثل في الأغراض التي خصصت لها.
أما جهاز المراقبين الماليين المنشأ بموجب القانون رقم 23 لسنة 2015، فأكد المشرع أن مستهدفات القانون وفقا لما جاء بنص المادة الثامنة منه هي تحقيق رقابة مسبقة فعالة على الأداء المالي للدولة، وضمان الشفافية والنزاهة والوضوح في الأداء المالي العام، وتعزيز المصداقية والثقة بالإجراءات المالية.
وجاء القانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية وتشجيعها للعمل في الجهات غير الحكومية، ليعزز الرقابة الإدارية من خلال وضع نظام لتعيين مراقبين لشؤون التوظف بالوزارات والإدارات الحكومية والجهات الملحقة تابعين لديوان الخدمة المدنية.
من جانب آخر، وبناء على القانون رقم 47 لسنة 2006 بشأن الموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي اعتمدتها الجمعية العامة في أكتوبر 2003، تم إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد بموجب القانون رقم 2 لسنة 2016، حيث حدد المشرع أهداف الهيئة الرئيسية، وأهمها إرساء مبدأ الشفافية والنزاهة في المعاملات الاقتصادية والإدارية، بما يكفل تحقيق الإدارة الرشيدة لأموال وممتلكات الدولة والاستخدام الأمثل لها، وحماية أجهزة الدولة من الرشوة والمتاجرة بالنفوذ وسوء استخدام السلطة لتحقيق منافع خاصة، ومنع الواسطة والمحسوبية والذي اعتبرها المشرع من جرائم الفساد في نطاق تطبيق أحكام هذا القانون.
كما تناول القانون مهام واختصاصات الهيئة بتلقي التقارير والشكاوى والمعلومات بخصوص جرائم الفساد المقدمة إليها ودراستها، وفي حال التأكد من أنها تشكل شبه جريمة تتم إحالتها إلى جهة التحقيق المختصة، وكذلك أيضا طلب التحري من الجهات المختصة عن وقائع الفساد المالي والإداري والكشف عن المخالفات والتجاوزات وجمع الأدلة المتعلقة بها.
كما أن من السلطات الممنوحة للهيئة كما ورد في اللائحة التنفيذية طلب المعلومات والتقارير من الجهات المختصة بموضوع البلاغ والاطلاع على الملفات والعقود والوثائق ذات الصلة وضبطها، وإذا لزم الأمر يتم فحص وتدقيق المستندات والأدلة المرفقة بالبلاغات والشكاوى المقدمة للهيئة، ومراجعة تقارير الأجهزة الرقابية وأي تقارير أخرى تشير إلى وقائع فساد بالتنسيق معها، واتخاذ ما يلزم بشأنها.
ويتضح مما سبق ذكره مدى تطابق مستهدفات الأجهزة الرقابية وأهمية تكامل أدوارها، خاصة بعد إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد، حيث فرض إنشاء الهيئة واقعا جديدا على الأجهزة الرقابة والذي لم يقتصر دورها فقط على رصد المخالفات وتضمينها تقاريرها السنوية، وإنما يمتد دورها إلى التنسيق مع هيئة مكافحة الفساد لتمكينها من القيام بدورها الذي رسمه لها قانون إنشائها ولائحتها التنفيذية.
فما قامت به الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) وديوان المحاسبة مؤخرا من توقيع مذكرة تعاون مشترك من أجل تحقيق رقابة فعالة للحد من التعديات على المال العام، وتعزيز قدراتهما في مكافحة الفساد، نظرا لتشارك الأهداف فيما بينهما، وكذلك اتفاقهما على اتخاذ التدابير القانونية اللازمة لمكافحة الجرائم المنصوص عليها في المادة 22 من قانون الهيئة العامة لمكافحة الفساد ولائحته التنفيذية، وإعداد البرامج والخطط التأهيلية والتدريبية لكوادر الطرفين وتبادل حضور الدورات التدريبية وورش العمل التي يعقدها الطرفان في مجالات مكافحة الفساد وأعمال التدقيق المالي، إنما يأتي تأكيدا إلى ما ذهب إليه المشرع من تحديد الأغراض التي من أجلها أنشئت مثل تلك الأجهزة، ودورها التكاملي لتحقيق تلك الأغراض.
كما يأتي ذلك أيضا في سياق قرارات مجلس الوزراء الهادفة إلى تعزيز التعاون فيما بين الأجهزة الرقابية المختلفة بالدولة، وصولا إلى إنشاء منصة تجمع كل الأجهزة الرقابية، والتي أيضا أشارت إليها تلك القرارات.
ولعل ما قام به ديوان المحاسبة من إحالة 36 بلاغا وموضوعا للهيئة العامة لمكافحة الفساد، وكذلك ما أحالته الهيئة من موضوعات إلى ديوان المحاسبة والبالغ عددها 17 موضوعا، يجسد تماما مقاصد المشرع في هذا الشأن، والذي يؤكد أهمية فتح قنوات تواصل بين الأجهزة الرقابية لتحقيق الأهداف المشتركة والمصلحة العامة.
لذا، نأمل أن نرى مثل هذا التعاون فيما بين الأجهزة الرقابية الأخرى كجهاز المراقبين الماليين وديوان الخدمة المدنية ممثلا بقطاع شؤون التوظف من جهة، والهيئة العامة لمكافحة الفساد من خلال إبلاغ الهيئة بالموضوعات التي تأتي في سياق الفساد المالي والإداري.
فمن غير المعقول أن يكون هناك تعاون بدرجة عالية فيما بين جهاز يتبع السلطة التشريعية ممثلا بديوان المحاسبة وجهاز يتبع السلطة التنفيذية ممثلا بالهيئة العامة لمكافحة الفساد، ولا نرى مثل درجة هذا التعاون فيما بين الأجهزة الرقابية ضمن السلطة التنفيذية خاصة في ظل قرارات مجلس الوزراء في هذا الشأن!