هذا مثل ورد ضمن بيت شعر يقوله عمارة بن علي الحكمي اليمني وهو:
ولا تحتقر كيد الضعيف فربما
تموت الأفاعي من سموم العقارب
ثم بين لنا هذا الشاعر المعنى بجلاء فتابع:
فقد هد قدماً عرش بلقيس هدهد
وخرب فأر قبل ذا سد مأرب
وربما استهان المرء بالضعيف من الناس، وسخر منه، ولم يره بعينه شيئا، ولكن عندما يسبر غوره يفاجأ بأنه أشد وأقوى منه، وهذه حقيقة لا شك فيها، وقد تموت الأفعى بلدغة عقرب رغم الفرق بينهما في القوة والحجم، والعقرب كما نعلم مخلوق ضعيف يداس بالقدم ومع ذلك فسمه قاتل فلا تحتقر ضعيفا وكن حذرا فالأيام دول يوم لك ويوم عليك، دخل كثير عزة الشاعر المشهور على الخليفة عبدالملك بن مروان، وكان كثير قصيرا دميما تزدريه العين، فتعجب عبدالملك من دمامته وقصره مع شهرته الواسعة فقال له: لئن تسمع بالمعيدي خير لك من أن تراه، فقال كثير بثبات جنان: حي هلا يا أمير المؤمنين، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإن تكلم تكلم بلسان وإن قاتل قاتل بجنان وأنا الذي أقول أصلحك الله:
ترى الرجل النحيف فتزدريه
وفي أثوابه أسد مزير
ويعجبك الطرير فتبتليه
فيخلف ظنك الرجل الطرير
ضعاف الطير أطولها جسوما
ولم تطل البزاة ولا الصقور
لقد عظم البعير بغير لب
فلم يستغن بالعظم البعير
فما عظم الرجال لهم بفخر
ولكن فخرهم كرم وخير
فأعجب عبدالملك بحضور ذهنه وأكرم جائزته، ومن هنا نقول الرجال مخابر وليس مناظر، فإياك أن تحتقر الضعيف فهذا ما لا يقبل شرعا وإنسانية، وكلنا ضعفاء أمام خالقنا القوي المتين.