إبداع المرأة الكويتية، وما يتضمنه من حضور محلي وعربي وعالمي، يؤكد أن هذا البلد الصغير قطع أشواطا كبيرة في مسيرته الأدبية والثقافية والإبداعية، حيث إن الأسماء النسائية في الكويت كثيرة، تلك التي نستلهم منها ما تحقق على أرض الواقع، من منتج أدبي على مستوى القصة القصيرة والرواية والنقد والدراسات، وغير ذلك من النوافذ الإبداعية التي أطلت منها المرأة الكويتية على الساحة، وأظهرت فيها براعتها وتميزها.
ولأننا في سياق الريادة وما عكسه من تطور ملحوظ في المنتج الأدبي المحلي، سنسوق نموذجا يمثل كل التمثيل هذه الريادة، ويعبر عنه خير تعبير، لذا فإن حديثي في هذه المساحة سيتركز على الكاتبة والروائية الكويتية د.فاطمة يوسف العلي، تلك المبدعة التي انتبهت في سن مبكرة من عمرها، إلى أهمية الكتابات الأدبية في إرساء دعائم التطور، وإتمام مراحله التي لا يمكن ان تتحقق إلا بالمعرفة والإبداع بكل أشكاله.
ومن خلال هذا الهاجس الإبداعي طفقت العلي في تأسيس أفكارها، وتطوير أدواتها الإبداعية من خلال الكتابة والمشاركة في مختلف الندوات والمؤتمرات الثقافية المحلية والعربية، ما أوجد لديها حصيلة فكرية ووجدانية، كرستها في إنتاج أعمال قصصية وروائية، كان لها دور أساسي في تأكيد منهجية كويتية حقيقية للسرد.
والباحثون في تاريخ الأدب الكويتي يؤكدون أن فاطمة يوسف العلي هي أول امرأة كويتية تصدر رواية مكتملة العناصر «وجوه في الزحام»، تمكنت فيها من رصد حالات تهم المجتمع في تاريخ كتابة الرواية عام 1971.
وإنني أرى في العلي مثالا متميزا للمرأة الكويتية، التي سعت في مجمل أعمالها إلى الانتصار للطبقة الوسطى من المجتمع، بالإضافة إلى وقوفها الراسخ مع قضايا المرأة، من خلال سردياتها سواء في القصة القصيرة التي جاءت مأهولة بالدهشة والمباغتة الذهنية، أو الرواية التي تضمنت مسارات نفسية وإنسانية عديدة.
ولقد دفعت هذه المسيرة الإبداعية للدكتورة فاطمة يوسف العلي، النقاد الكبار في البلدان العربية لمتابعة ما تنتجه من قصص قصيرة وروايات، أمثال الأديب الراحل محمد جبريل، والناقد د.صلاح فضل، والناقد حسن حامد، والناقد فرج مجاهد عبدالوهاب، وغيرهم الكثير.
وبالتالي، جاءت كتاباتهم النقدية معبرة عما حققته العلي من قفزات بعيدة المدى في مدلول الإبداع على كل مستوياته، وكاشفة عن العديد من الصور الأدبية التي استطاعت بفضلها أن تقتحم مواضيع إنسانية شتى تهم المجتمع، وتساهم في الإضاءة على قضاياه.
ومن اللافت أن الدراسة النقدية التي طرحها الناقد فرج مجاهد عبدالوهاب، بعنوان «مسافة للممكن.. مساحة للإبداع.. دراسات في المنتج الإبداعي للرائدة الكويتية د.فاطمة يوسف العلي»، هي رحلة شيقة، يستطيع من خلالها القارئ والمتابع للحركة الأدبية في الكويت، أن يأخذ صورة مكتملة عما حققته العلي من منجز أدبي، ليس لها فقط، ولكن للكويت والعالم العربي، حيث إن الدراسة أحاطت بمعظم - إن لم يكن كل - ما طرحته العلي عبر قصصها ورواياتها من رؤى وأفكار تخص المجتمع الكويتي، بالإضافة إلى التحليل الذي حظيت به تلك الأعمال والغوص في أعماقها، من أجل الكشف عن ملامحها الإنسانية المبهرة.