لقد غبت عن القراء الأعزاء مدة طويلة بسبب المرض الذي ألمّ بي والذي اضطرني إلى الخضوع لعملية جراحية مهمة، وأحمد الله الذي كتب لي الشفاء بعد نجاحها.
في هذه التجربة كانت هناك العديد من الأحداث الجارية منها ما يحسن ذكره ومنها ما يحزن ذكره، كما كانت هناك العديد من الأفكار التي تأخذ بالكيان الإنساني تارة يمينا وتارة يسارا، فتحرمه من راحة البال والاطمئنان واللذين هما مبتغى كل إنسان في هذا الزمان.
إن للمرض آثاره على المريض دائما لكن أخطر هذه الآثار هي آثار ما بعد العملية الجراحية وهي آثار معنوية مظلمة تتصف بالعدم، عدم استشعار أي شيء حيوي حولك، وتجعلك متذبذبا بين عالم النشاط وبين عالم الخمول مائلا نحو الركود.
هذا هو في الواقع حالي عندما خرجت من هذه العملية الجراحية، فإنني لم أجد مخرجا إلا من خلال انتفاضتي على ذاتي عندما ملت إلى العجز، وتركت استشعار نعمة العافية والتي كانت ومازالت هي سيدة الموقف وانتفاضتي على كل فكرة سلبية حاولت ان تتغلغل في باطني لتفسده وتبعده عن تألقه الإنساني، وانتفاضتي قد قويت برفع القلب قبل اليد إلى خالق الإنسان والأكوان (الله) سبحانه وتعالى الذي منه وبه يحيا كل شيء وتتجمل الحياة بكل ما فيها.
إن حب الله وذكره والخضوع له سبحانه أفضل ما يمتلكه أي إنسان، وهي مصادر الطاقة الحقيقية والتي تنير لنا الدرب دون الكدح، فلقد قال تعالى (إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).
إنه خطاب الخالق الرحيم لنا أيها البشر فإن كل ما تعملونه تشهدون أثره في أي عالم كنتم، ولذلك اجعل أيها الإنسان جهدك خالصا له سبحانه وتعالي ولا تختلق الأعذار والمبررات لتدعي البراءة والنقاء فلا يوجد إنسان نقي، ولكن يوجد إنسان يحب الله حقا ويعمل الخير ويعمر الروح والحياة.
إن المرض لوحة تكشف ضعف الإنسان لكنها تحمل في خلفيتها مشهدا عظيما، وهو مشهد الأمل بأعظم ما في الكون وهو الرب العظيم الذي يهب العافية دون غيره وحب الله الذي هو أصل كل خير.