شهر رمضان زمان ذو علاقة خاصة بالقرآن الكريم، لذلك من الأجدر بنا جميعا التعرف على القرآن الكريم الذي يقدم لحضارة الإنسان منظومة متكاملة بنائية ومفاهيمية دقيقة، فكل مصطلح فيه يدل على مفهوم محدد وكل مفهوم يترابط مع غيره لكي يدلنا على الرؤية الكلية للقرآن، ولا يمكن أن نحدد تعريفا لمصطلح قرآني ما إلا بالنظر في شبكة علاقته مع باقي المصطلحات، وبناء عليه لا يمكن أن نعرف الدين إلا بتحديد تراكيب نصه المقدس، الإضافية منها والإسنادية والوصفية فعلى سبيل المثال نجد التركيب الوصفي الوارد في القرآن كـ «الدين القيم» أو التركيب الإضافي كـ «دين الحق» وبتحديد علاقات الدين مع المفردات الآتية: الشريعة ـ الملة ـ الإيمان ـ الإسلام ـ الإخلاص ـ الإحسان ـ الكفر، لذا فإننا نحتاج المنهج الذي يتجنب التوظيف الانتقائي للمفاهيم، والذي يضع المفهوم في إطاره البنائي الكلي بما يمكننا من أن نحمي المصطلح القرآني من الاستعمالات المخلة وخصوصا في التوظيف الجدلي ـ السياسي ـ الأيديولوجي لاسيما أن هذه الاستعمالات لا تتوخى الدقة والأمانة في إبراز حقيقة المفاهيم بل تسعى لتزييف وتحريف حقيقة المعاني والمفاهيم وبالتالي تسبب الانحراف في فهم الدين وفقدان الناس لينابيع الإيمان الحق.
ومن هنا حصل خلط بين المفاهيم الدينية بالمفردات الثقافية تسبب في خلل فكري، الأمر الذي يجعل من الأهمية بمكان تفكيك العلاقات بين المكون الديني والمكون الثقافي ومن ثم تحليلها، حيث إن هذا يساعد على كشف محاولات التسلل بين هذين المجالين وعدم اختلاط المفاهيم وحفاظا على العلاقة بين الدين والثقافة التي ينبغي أن تكون علاقة إثراء وانسجام وتكامل وليست علاقة جدل وصراع وتصادم.
إن ما نراه من التداخل بين الدين والثقافة العامة في المجتمعات الإسلامية قد ألحق الضرر بها فكريا وأوقف نموها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وحل هذه الإشكالية لابد أن يكون من خلال فهم كيفية عمل الأدوات الثقافية في المجتمع وحجم ما يمثله الدين في تشكيل الأنماط الحياتية.
إن الدين ليس عائقا للتطوير المجتمعي الحقيقي، لذا وجب تمييز منظومة المفاهيم الدينية عن منظومة مفاهيم الثقافة، فالثقافة هي قالب اجتماعي للعادات وللتقاليد وللممارسات التي قد تتشكل من خلال فعل «التدين» والتي قد تتحول هي بنفسها مع مرور الزمن إلى ثقافة مستقلة قائمة بذاتها، وهنا لابد أن نفهم تفاعل الدين مع العادات والتقاليد والذي يظل أمرا ديناميكيا معقدا بشكل كبير، لكنه يجب أن يرصد ويفكك علميا لكي لا ينحرف الإنسان عن الفهم والتعامل الصحيح مع الدين.
إن الدين هو الأداة الفعالة لإحداث أي تغيير واقعي وهادف ومنظم، أما الثقافة العامة والعادات والتقاليد فإنها غير منضبطة وتعرقل ارتقاء الإنسان فكريا وعلميا وروحيا، أما العيش في وهم الادعاء بالاستثنائية والتميز فإنه يجب أن ينتهي لأن الاغترار بالذات والهوية يهدم روح المبادرة والتغيير والتطور الفكري والعلمي.