لا شك أن الفرح يتبعه الحزن، والضحك يتبعه البكاء، وما من بداية إلا ولها نهاية، قيل لأعرابي: كيف حالك؟ قال: ما حال من يفنى ببقائه ويسقم بسلامته ويؤتى من مأمنه؟ وبكى الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، فسئل عن سبب بكائه فقال: «فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر».
وقد وقف الخليفة سليمان بن عبدالملك أمام المرآة وعليه حلة تخطف الأبصار، وكان شابا جميلا وسيما فقال: أنا الملك الشاب، فما لبث أن حم ومات لثالثة، فالدنيا يوم لك ويوم عليك ويوم راحة وأيام شقاء، وقد قيل: من بلغ غاية ما يحب فليتوقع غاية ما يكره، قال الأصمعي: وجدت بيتين لبعض الأعراب كأنهما أخذا من قول الله تعالى (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) «الأنعام 44»، وهما:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت
ولم تخف غب ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
قال الحسن البصري رضي الله عنه: ما وعظني شيء مثل ما وعظني الحجاج بن يوسف في خطبته لما قال:
إن امرأ ذهبت عنه ساعة من عمره في غير ما خلق له لحقيق أن تطول حسرته يوم القيامة، (انتهى) فمن كان الليل والنهار مطيته سارا به وإن لم يسر، والحياة أساسا لم تخلق إلا للموت، ولما احتضر الخليفة أبو جعفر المنصور قال: بعنا الآخرة بنومة، يقول الصحابي عبدالله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه: عرض الدنيا عارية ومن فيها ضيف والعارية مؤداة والضيف مرتحل، ولم تسم الدنيا بهذا الاسم إلا لتدني منزلتها عند الله، ولدنوها من الزوال، وقد قيل: مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له امرأتان ضرتان إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى، إذن لابد من النقصان بعد الكمال والضعف بعد القوة:
إذا تم أمر بدا نقصه
توقع زوالا إذا قيل تم
فكن موسرا أوتكن معسرا
فما تقطع الدهر إلا بهم
حلاوة دنياك مسمومة
فما تأكل الشهد إلا بسم
.. ودمتم سالمين.