أنا من الذين كفروا بديموقراطية بلدي، لا عيباً بالديمقراطية ولا تصغيراً ببلدي. وحتى أوضح أكثر، أرى الكويت فتاة جميلة جدا بكل المواصفات، وتتزين بالذهب والألماس، لكنها ترتدي من أغلى ثياب الرجال «دشداشه وشماغ وعقال وبشت»، فهذه التركيبة لا تمتزج ببعضها إلا إذا فصلت بينها.
نعم عندنا مبنى جميل لمجلس الأمة، ودستور أجمل، ولكن الروح والمحتوى لا يشبهان الكويت وأهلها الطيبين، لم نكن نعرف التصنيف القبلي ولا العرقي ولا الطائفي ولا التفرقة أصلا، لكن الذي أنبت هذه الشجرة الملعونة هو الانتخابات وأساليبها السلبية، ونتائجها العجيبة، أصبح مجلس الأمة يتيما -فقد أمه- وتبرأ منه خاله وعمه، أصبح مجلسا لا هوية له، لا يشبهنا.. اختلطت فيه السلطتان، وكأنه بورصة أسهم تباع فيه وتشترى، ترتفع الأصوات، وتتطاير العِقل، وتستباح الألفاظ، لو يعلم من أرسى دعائم الديموقراطية ما وصلنا له من فشل، لفكر ألف مرة قبل إدخاله على حياتنا، إن مضاره الجانبية أكثر من فوائدة فقد عمّق التفرقة، وقامت رؤوس لم تكن رؤوسا، لا تحترم تاريخنا، ولا مقامات رجالنا، ويقال إن هناك من الناخبين من لا يحق لهم الانتخاب، لذلك نحن بحاجة إلى وقفة مع النفس، ومراجعة ودراسة هذا النهج الديموقراطي الذي تشوه وانحرف، وأثر على مسيرتنا التنموية فأصبحنا في مؤخرة الدول، ونحن ندعي التحضر والتمدن بوجود مبنيين لمجلس الأمة والبلدي، كديكور وشكل، أما ما ينفع الناس فقد ذهب هباء منذ 50 عاما.
إن نهضة الكويت ونموها السريع بدأ في الخمسينيات قبل مجلس الأمة، كان شعب الكويت يترقب قرارات «مجلس الإنشاء» الإبداعية، وكأننا ننتظر نتائج الامتحانات، من شدة الرغبة لمعرفة القرارات العجيبة، فظهرت المناطق والشوارع والمشاريع المفيدة، والذي تحول فيما بعد بالمجلس البلدي.
ذهبنا بالأمس القريب وانتخبنا أعضاء جددا للمجلس البلدي، ذهبنا لنؤدي واجبنا الوطني فقط، دون رغبة حقيقية بأمل قادم أو تفاؤل، فقد ذهب بريق البلدي، وفقد أسنانه، ومات الإبداع فيه، في نظري أصبح غرفة مثل أي غرفة في الكويت ليست فيها منافع للناس، ربما كما قال سبحانه (ولي فيها مآرب أخرى).
في يوم الانتخاب شعرت بأن الروح الوطنية ليست بعافيتها، وكأن الناخبين مرغمون دون رغبة، والدليل تدني نسبة الحضور.
لو قارنا الكويت بدول الخليج التي تتنافس بالتنمية والتقدم الحضاري الشامل لوجدنا أن المعوق الوحيد الموجود عندنا وليس عندهم هو ما يسمى بالديموقراطية والانتخابات، وهي ما تتحجج بها الحكومة بأن النواب يعطلون التنمية.
لابد من وقفة مع النفس ومراجعة الأحداث والنتائج، وتحديد المسؤوليات والتشدد في المحاسبة.
الشعب الكويتي بحاجة لجرعة منشطة تعيد فيه التفاؤل والأمل، والنشاط الذهني للإبداع والمنافسة. هذه ليست كويتنا التي نعرفها لقد اختلطت فيها كل المتناقضات.
اللهم نقنا من الشوائب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
[email protected]