كان السفر في اليابان القديمة قطعة من الجمر، فالتضاريس اليابانية الجبلية يصعب اجتيازها، ناهيك عن الأمراض التي تصيب المسافرين بسبب الفيروسات والبكتيريا التي كانت تملأ المستنقعات والأنهار، وعدم وجود وسيلة لتأمين الطريق من قطّاع الطرق، والتاريخ الياباني مليء بالمآسي التي تواجه المسافرين، والعديد من البعثات الرسمية بين حكام المقاطعات اليابانية أبيدت عن بكرة أبيها بطرق السفر، وكنتيجة حتمية لذلك، ظهرت الكثير من الشخصيات الوهمية المخيفة في التراث الياباني والقصص الفلكلورية التي تهدف إلى إخافة الشباب من خوض تجربة السفر بين المدن، وهذه الشخصيات موجودة لدى جميع الثقافات، كالغول بالتراث العربي و«حمارة القايلة» بالتراث المحلي، ولكن لأن التضاريس اليابانية كانت أشد من تضاريسنا التي تتميز بأنها سهول، تستطيع أن ترى من خلالها على مد بصرك، وإنارة خفيفة تستطيع أن تنير مساحات واسعة، ولهذه الأسباب نجد أن تراثهم تفوق علينا بأعداد الشخصيات.
الناظر لصورة الأقمار الصناعية الليلية لليابان، يجد أنه لا يكاد يكون فيها حاليا قطعة أرض غير مضيئة، وهذا النور بدد عتمة ظلام الخوف من السفر، واصبح التنقل سهلا لدرجة أن تعداد طوكيو بالليل أقل بملايين من سكانها بالنهار، فكثير من موظفي طوكيو يسكنون خارجها، وهذا شيء محال مقارنة باليابان القديمة، ونتيجة لذلك توقفت مخاوف اليابانيين من السفر، وقل كثيرا ظهور الشخصيات المرعبة في الفكر الياباني، ولكن هذا أنعكس ثراء في الشخصيات الخيالية والقصص الفلكلورية، على جانب إنتاج الرسوم الكرتونية وقصص «المانغا اليابانية» والأفلام، ويعتبر رافدا تراثيا مهما في هذه المجالات، فخوف اليابانيين السلبي سابقا أصبح يستخدم إيجابيا حاليا.
طبيعي أن يخاف الإنسان من المجهول، ويشعر بعدم استقرار نفسي مادام هذا المجهول مستمرا، وهذه المخاوف تستشعرها في المجتمع الكويتي، ولكن ليس من ظلمات السفر بل من ظلمات المستقبل، فأي مجتمع لا تكون لديه خطة مستقبلية واضحة، حتى لو كان لديه كل سبل الراحة حاليا، سيسيطر عليه الخوف، وفي أحاديث أفراد المجتمع غصة، يعلو صوتها كلما دار الحديث عن المستقبل، بل وحتى الواقع الحالي غير المنظم، والناظر للوضع الكويتي يستطيع أن يلحظ عدم وجود مشروع دولة ينخرط فيه كل أفراد المجتمع، فحتى «رؤية 2035» التي أعلنت بصوت خافت، اختفى صوتها، واصبحنا ندور في دوامة تسببت في تراجعنا، وأصبحنا عكس اليابانيين، نطمح للعودة للماضي الذي كان أثر إنارة من حاضرنا، وأعتقد أن حل هذا التقهقر والنظرة التشاؤمية المنتشرة، هو إنارة المستقبل بخطط واضحة تتبناها حكومة قادرة على تنفيذها، ومن خلالها نستطيع أن نحول مخاوفنا التي نعيش فيها حاليا إلى وقود ينير طريق المستقبل مثلما فعل اليابانيون مع مخاوفهم.