- لا أجد حلاً حقيقياً في الاعتماد على أي طرف خارجي لتأمين بقائنا وحمايتنا من التهديد النووي الإيراني
- مخاطر وتهديدات السياسة الإيرانية يجب أن تكون عامل توحيد لجميع الأطراف الخليجية
- تجربة الكويت في الديموقراطية أفرزتها ظروف خاصة قد لا تتكرر في الدول الخليجية الأخرى
- التسوية السياسية للصراع اليمني لا تخدم المصالح الإيرانية وهي مرهونة بتحييد دور طهران
- السعودية تسير نحو توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار عبر تمكين المرأة والشباب وتركيبة مجلس الشورى وبحسب طبيعة المجتمع السعودي
كشفت الشهور القليلة الماضية عن تعثر مفاوضات فيينا بين إيران من جهة والدول الكبرى من جهة أخرى بشأن إحياء الاتفاق النووي الموقع في 2015، وهو ما يستلزم الاستعداد للتعامل مع إيران كدولة نووية في غضون بضع سنوات. هذا الاحتمال الكابوسي يفرض نفسه وبقوة في الوقت الحالي على الباحثين والمحللين وخبراء السياسة. وعليه، فقد استضاف مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات الخبير السعودي المخضرم ورئيس مركز الخليج للأبحاث د.عبدالعزيز بن صقر، في لقاء عبر تقنية «التواصل المرئي» لم تنقصه الصراحة والجرأة، حيث أجاب من مكتبه في جنيف عن الأسئلة التي وجهها له المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز عبدالعزيز العنجري عبر حوار مطول. وخلال اللقاء لفت إلى أنه لا يجد حلا حقيقيا في الاعتماد على أي طرف خارجي لتأمين بقائنا وحمايتنا من التهديد النووي الإيراني. وبينما ذكر بن صقر أن تجربة الكويت في الديموقراطية أفرزتها ظروف خاصة قد لا تتكرر في الدول الخليجية الأخرى، ذكر أنه في المملكة العربية السعودية يسير التطور بشكل جيد نحو توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وهو ما نراه حاليا في تمكين المرأة والشباب بصورة واضحة ومتسارعة سواء في قطاعات العمل المختلفة الحكومية أو الخاصة، فإلى تفاصيل اللقاء:
تراقب دول الخليج في الوقت الحالي مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني.. من وجهة نظرك هل يمكن أن تشتبك دول الخليج بشكل أكبر للتأثير في سير هذه المفاوضات وتوجيه بوصلتها لمصالحها؟
٭ تتحمل الدول المشاركة في الاتفاق (5 +1) مسؤولية إبرام ذلك الاتفاق بشكل حصري، وقد أثبتت التطورات اللاحقة انه اتفاق ضعيف وهش، ولا يلبي الأهداف المطلوبة في منع إيران من تطوير وحيازة القدرات النووية العسكرية، ومن هنا جاء قرار الانسحاب الأميركي من الاتفاق خلال رئاسة الرئيس دونالد ترامب.
أنا لا أجد أي مبرر لمشاركة دول مجلس التعاون في عملية إعادة التفاوض لإحياء هذا الاتفاق، لكونه اتفاقا هشا ولا يلبي المتطلبات الأمنية لدول المجلس، ولذلك لا يستحق الإحياء.
تجنب المفاجأة
إذا فشلت المفاوضات كما ذكر كثير من المراقبين، كيف يمكن أن تتعامل دول الخليج مع جارة نووية في ظل النوايا العدوانية التي تبديها طهران في كثير من الملفات؟
٭ مشكلة الانتشار النووي، ليست مشكلة إقليمية، بل هي في طبيعتها الأساسية مشكلة دولية تخص السيطرة على انتشار السلاح النووي وتنفيذ معاهدة «تحريم الانتشار النووي» لعام (1968، NPT)، وهي من مهام المجتمع الدولي ومنظماته الدولية، ومن مسؤولية الدول الكبرى التي تمتلك السلطة والقدرات لإجبار الدول المخالفة على الالتزام بنصوص المعاهدات الدولية.
بغض النظر عن الإنكار الإيراني، وبغض النظر عن التعهدات والتطمينات الكاذبة التي تصدر عن القيادات الإيرانية، فإن ترك إيران دون إجراءات فعالة وملزمة لإيقاف برنامجها النووي سيقود إلى مفاجأة أنه سوف تستيقظ يوما دول الخليج والمجتمع الدولي على وقع امتلاك إيران للقنبلة النووية.
علينا، كدول الخليج، أن نرفض التعامل مع إيران كقوة نووية، ونركز على ضرورة منعها من حيازة السلاح النووي أولا وقبل كل شيء، والوقت مازال متاحا للقيام بإجراءات المنع، ليس بإجراءات معالجة موقف يقوم على التسليم بظهور إيران كقوة نووية. الدول الغربية تفضل الحديث عن الإجراءات القادمة، وتهيئنا لفشلها في إيقاف طموحات إيران النووية، لكن الحقيقة أننا في سباق مع الوقت، ومازال من الممكن إجبار إيران على التخلي عن خططها السرية في امتلاك السلاح النووي. المشكلة هي أن المجتمع الدولي بكامله لا يبدو جادا وحازما على التعامل مع هذه القضية، وأيضا يوجد تراخ خطير روسي - صيني في هذا الأمر.
برنامج سلمي
كيف يمكن لدول الخليج بقيادة السعودية أن تطور سياسة ناجحة لمواجهة التحدي الإيراني بعيدا عن التحالف مع إسرائيل التي تشكل في حد ذاتها تحديا نوويا آخر لدول الخليج؟
٭ نحن كدول خليجية ودول عربية لا نملك حتى اليوم برنامجا نوويا (مدنيا - سلميا)، والآخرون ممن يحيطون بنا يمتلكون كل شيء، سواء برنامج نووي سلمي، أو برنامج نووي عسكري (علني أو سري). ولذلك علينا أولا أخذ الخطوة الشرعية في تأسيس برنامج نووي سلمي حتى يمكن تطوير مجال المعرفة بالعلوم والتكنولوجيا النووية، لذلك نحن نبني ونستثمر في دولنا واقتصادنا وازدهارنا ورفاهيتنا، وإهمالنا أهم قضية في الحياة وهي قضية تأمين البقاء، لذلك لا أجد حلا حقيقيا في الاعتماد على أي طرف خارجي لتأمين بقائنا وحمايتنا من التهديد النووي الإيراني.
مخاطر متعددة
ما أبرز التهديدات والتحديات التي يخلقها التوسع الإيراني في المنطقة على دول الخليج في المستقبل القريب؟
٭ إيران تفكر بعقلية الامبراطورية، وتفكر بالحسابات الاستراتيجية المعقدة، لذا لو نظرنا إلى خارطة التوسع الجغرافي الإيراني في العالم العربي فسنجد أن هناك فلسفة وراء هذا التوسع، وهي تأسيس النفوذ الإيراني من مياه البحر المتوسط إلى مياه الخليج العربي، ومحاولة فرض حصار على دول الخليج العربية من شمال وجنوب الجزيرة العربية (اليمن والعراق)، ومحاولة السيطرة على المضائق البحرية التي تتحكم بالملاحة البحرية في المنطقة (مضيق هرمز ومضيق باب المندب).
في ظل استمرار حرب اليمن بلا أفق للحل السياسي أو الديبلوماسي، من المسؤول من وجهة نظرك عن إطالة أمد الحرب؟ وكيف يمكن الوصول فيها إلى نهاية؟
٭ حرب اليمن هي حرب إيرانية على منطقة الجزيرة العربية عبر الأراضي اليمنية، وإطالة أمد الحرب تأتي ضمن الاستراتيجية الإيرانية لاستنزاف الدول الخليجية عبر اليمن، وإيران
لا يهمها مستقبل اليمن، أو وضع الشعب اليمني، بل اليمن والحوثيون مجرد أداة تستخدم لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الإيرانية، والتسوية السياسية للصراع اليمني لا تخدم المصالح الإيرانية، لذا فإن أمل التوصل إلى تسوية سياسية عادلة تضمن الاستقرار لليمن أمر مرهون بتحييد الدور الإيراني في الصراع اليمني.
مسؤولية المجتمع الدولي
فيما يتعلق بالملفين اليمني والسوري، كيف نضمن ألا يتكرر هذا السيناريو في أزمات مستقبلية؟
٭ الملف السوري والملف اليمني شهدا تعقيدات كبيرة، ودخول أطراف إقليمية ودولية رمت بثقلها في هذا الصراع لخدمة مصالحها. دول الخليج العربية لا يمكنها حسم الأمور بسهولة ضمن هذا التشابك والتعقيد. إيران رمت بثقلها في الملفين السوري واليمني، وفي سورية شاهدنا كذلك دخول روسيا وتركيا وإسرائيل كلاعبين أساسيين في الساحة. وعموما المجتمع الدولي هو المسؤول عن حالة التراخي التي قادت إلى استفحال نفوذ الأطراف الخارجية في هذه الصراعات. لو اطلعنا على قرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص سورية واليمن لوجدنا موقفا حازما ضد التدخلات الخارجية، ولكن هذه القرارات لم تنفذ، ولم تتوافر النوايا الحقيقية لتنفيذها.
كيف يمكن الوصول للحد الأدنى من التنسيق بين دول الخليج لتوحيد سياساتها لمواجهة التحدي الإيراني بأفضل طريقة ممكنة؟ وما الذي تنصح به المملكة العربية السعودية جاراتها؟
٭ هناك مقوله تقول «الخطر يوحد الأطراف المتباعدة»، ومن المفترض ان مخاطر وتهديدات السياسة الإيرانية ستكون عامل توحيد لجميع الأطراف الخليجية مع انها أطراف ليست متباعدة في الأساس، لكون مخاطر سياسة التوسع وفرض الهيمنة الإيرانية الراهنة وبعيدة المدى، لا تستثني أي طرف. ولذلك أعتقد أن دول مجلس التعاون تدرك أن مسايرة إيران وعدم تحدي سياستها التوسعية والتدخلية ضار بجميع دول المنطقة، والموقف الخليجي يجب أن يكون واضحا وموحدا تجاه هذه الأطماع. وأي رسائل مترددة قد ترسل رسائل خاطئة لإيران لا تخدم المصلحة الجماعية لدول المجلس.
موقف حيادي
كيف ستوفق دول الخليج بين تحالفاتها العسكرية والأمنية والسياسية مع واشنطن وتحالفاتها الاقتصادية والنفطية مع موسكو؟
٭ الحرب الأوكرانية والصراع في أوكرانيا، هو صراع بين معسكرين تقليديين، الغربي والروسي، وفي حقيقة الأمر الصراع لا يعنينا بشكل مباشر في دول الخليج، لذلك هناك هامش لتبني موقف حيادي متوازن بين طرفي الصراع. وبيان مجلس التعاون الخليجي الذي صدر بعد اجتماع وزراء الخارجية، أدان السلوك الروسي دون الإشارة إلى اسم روسيا صراحة، ومع ذلك أكد على وجوب احترام القانون الدولي واحترام سيادة واستقلالية الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهو إدانة للغزو الروسي لأوكرانيا، وانتصار للقانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة.
وفي الوقت نفسه لا تجد دول المجلس مصلحة بمعاداة روسيا، والانضمام إلى نظام العقوبات والمقاطعة الغربي، حيث إن هناك مصالح وطنية لدول الخليج تدفع لتبني موقف متوازن، وليس محاباة لروسيا. ودون شك أن هذا الموقف لن يرضي الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، ولكن على دول الخليج التمسك بهذا الموقف بقدر الإمكان، دون الانجرار إلى مواجهة مع دول العالم الغربي.
في ظل انفتاح المملكة على العالم وسعيها لكل مناحي التطور والتقدم، هل يوجد ضمن هذه المناحي رغبة في تمكين الشباب من المشاركة السياسية وفتح المجال أمامهم لمزيد من الحريات السياسية؟ وهل لتجربة الكويت تأثير محفز أو مثبط عليها؟
٭ تجربة الكويت في الديموقراطية هي تجربة أفرزتها ظروف الكويت التاريخية الخاصة التي قد لا تتكرر في الدول الخليجية الأخرى. ولكل دولة خليجية ظروفها الخاصة وتدرجها وتطورها التاريخي، وفي المملكة يسير التطور بشكل جيد نحو توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وهو ما نراه حاليا في تمكين المرأة والشباب بصورة واضحة ومتسارعة سواء في قطاعات العمل المختلفة الحكومية أو الخاصة، وكذلك في تركيبة مجلس الشورى أو الوظائف القيادية، بما ينسجم مع طبيعة المجتمع السعودي وتركيبته الشابة حاليا، وكذلك تاريخه وطبيعته، وعن توسيع دور جيل الشباب في إدارة الدولة، فقد تم تبني ذلك بشكل واسع منذ بداية تبني رؤية 2030، ما ستكون له مردودات إيجابية على أسلوب صناعة القرار في المملكة.
د.عبدالعزيز بن صقر في سطور
٭ مؤسس ورئيس مركز الخليج للأبحاث.
٭ دكتوراه في السياسة والعلاقات الدولية من جامعة لانكستر، المملكة المتحدة.
٭ ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة كينت، المملكة المتحدة.
٭ أستاذ زائر (جامعة كافوسكاري بإيطاليا، جامعة أوساكا باليابان، معهد الأمير خالد الفيصل للاعتدال بجامعة الملك عبدالعزيز).
٭ عضو الهيئة الاستشارية لقسم العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز، وعضو في العديد من مجالس الأمناء والهيئات الاستشارية لمراكز بحثية وجامعات عالمية.
٭ رئيس تحرير كتاب (الخليج في عام) ورئيس تحرير مجلة (آراء حول الخليج) مجلة متخصصة في الشؤون الخليجية، تصدر عن مركز الخليج للأبحاث.