«الركادة أو التكانة» تعني الثقل والعقل أي التروي والصبر الموضوعي قبل إبداء الرأي المسبق والأحكام المسبقة سواء بالإيجاب أو بالسلب، وتعني كذلك قياس جميع الأمور في ميزان العقل، ما لم يكن هناك نقل من الكتاب والسنة في حالة الأمور الشرعية، حسب الموجبات الدنيوية، أو من الدستور والقانون في حال تنظيم المعاملات والتعاملات بدولة المؤسسات، وعلى حسب المقتضيات الدنيوية.
الركادة والتكانة والثقل والعقل هي فواصل وفياصل بين الحق والباطل، بين التعاطي الموضوعي والعبثية، سواء الممنهجة أو الفوضوية.
الركادة والتكانة والثقل والعقل هي أدوات ومعطيات صالحة لكل إنسان ولكل زمان ومكان، صالحة للصغير والكبير، صالحة للأفراد والجماعات، صالحة للعوام والخواص.
الركادة والتكانة والثقل والعقل هي أيضا تصرفات وسلوكيات وممارسات وقيم أخلاقية عامة جدا، وتعنى بكل مناحي الحياة وشؤونها لاسيما الشؤون السياسية بكل تصوراتها وتقاطعاتها والتزاماتها وإلزاماتها.
بالطبع، النظر إلى تبعات وتأثيرات هذه التصرفات الأخلاقية والحكم عليها أعتقد أنه تنطبق عليه مقولة «المساءلة على قدر المسؤولية»، بمعنى أنه يجب- بناء على هذه المعايير- عدم انتقاد العوام بحجم انتقاد الخاصة من نخب المجتمع الفكرية والسياسية.
فإذا أخذنا الأعذار والتمسناها لعامة الشعب خاصة في الشؤون السياسية والفكرية، فإنها تنهار وتتلاشى أمام النخب السياسية وقادة الفكر والرأي في كل المجتمعات.
الكثير من العامة وفي كل مكان وزمان وعبر التاريخ كله لا يؤخذ عليهم تفكيرهم بطرق ساذجة وسطحية ولا يؤاخذون كثيرا بأفعالهم العفوية ولا بردود أفعالهم الارتجالية، لكن هذا التساهل - نوعا ما - تجاه العامة غير متاح وغير متوفر للخاصة وقادة الفكر والرأي والسياسة، فعلية القوم أو (الملأ) لهم ميزات عالية، وعليهم بقدر علو ميزاتهم مسؤوليات ومؤاخذات عالية جدا أيضا، فهم من يفترض أنهم من يشكلون السياسات العامة والتوجهات الاستراتيجية ويوجهون الرأي العام في دولهم، وهم من بيدهم الحل والعقد بشكل أو بآخر.
الخاصة من النخب الفكرية والسياسية دائما أعباؤهم كبيرة وأدوارهم محورية ومهمة ومؤثرة، هم دائما مؤتمنون ماديا ومعنويا وتوجيهيا على القضايا الوطنية والمصالح العليا للبلاد والعباد ويجب على كل منهم في مثل مقامهم عدم تطويع أدوارهم لأهوائهم ومصالحهم الخاصة والشخصية، فهم إن أحسنوا عملهم حسنت أوطانهم وتحسنت أحوال مواطنيهم، وإن فشلوا فشلت مساعيهم وذهبت ريحهم وتشتت أعمالهم وآمالهم.
يجب على قادة الفكر والرأي والسياسة عدم انتهاج مبدأ المعارضة والاحتجاج المستمرين وغير الموضوعيين لأجل المعارضة والاحتجاج فقط، لأن هذا الأمر يدخلنا في أمر من أمرين لا ثالث لهما، وهما: إما أن يكون أمرا نابعا من أجندات وأغراض أخرى لا علاقة لها بالمصلحة العامة، وتقصد إقصائي رافض للآخر تماما، أو نابع عن جدل نابع عن جهل وعدم دراية وعدم أهلية وكفاءة.
كما يجب لنخب الفكر والرأي والسياسة عدم إعطاء صكوك الغفران أو التزكية مسبقة (الدفع) للأعمال أو للجهات أو للأفراد على حد سواء، خاصة للأشخاص قبل تسلمهم مهام وظائفهم وقبل تجربتهم واختبار قدراتهم واكتمال أعمالهم، مهما كانت مؤشراتهم الشخصية أو العلمية أو العملية السابقة مرضيه وإيجابية.
وبكل تأكيد، لا يليق بهم التطبيل والتهليل الغوغائي إطلاقا، لأن هذا التطبيل إن جاز جدلا للعامة والدهماء، فإنه لا يجوز لمن يعتبرون من نخب وفعاليات وقيادات المجتمعات.
[email protected]
[email protected]