يقول ابن بطوطة: «مررت بأرض أسفل البصرة تسمى كاظمة، لا تسكنها الجن من شدة الحر»، ولو اعتبرنا مقولته هذه مجردة ومباشرة وليست تعبيرا مجازيا، ولو سلمنا جدلا بعدم سكن الجن في «كاظمة» أو «القرين» أو المسمى الحديث وهو «الكويت» فحتما كان يسكنها الإنس من بني البشر، كما هو موثق تاريخيا.
وحتما كانت تعج بالحياة والسكان بكافة شرائحهم وفئاتهم الذين ينتشرون على كافة إقليمها من أقصاه إلى أقصاه.
***
الفقرة الاستهلالية أعلاه هي مدخل مبسط لموضوع مركب ومعقد وحساس جدا نعاني من آثاره وتبعاته منذ تقسيم «سايكس - بيكو» ومنذ قيام الدولة الحديثة واكتشاف البترول تحديدا.
اسم الكويت صحيح أنه موجود قديما كبلدة صغيرة أو كعاصمة، ولكنه حديث جدا «كدولة» في مقابل اسم كاظمة والقرين أو حتى «وارة»، كما كانت تعرف هذه البقعة الجغرافية تأريخيا.
***
واسم العاصمة عندما يعمم على الدولة بشكل كامل ويصبح اسما لها «city state» فإنه غالبا يصبغ الدولة ويحتكرها بثقافة وتاريخ ولهجة وعادات وتقاليد سكان العاصمة، بل وقد يتعدى ذلك إلى اعتبار من لا يسكن العاصمة بأنه ليس من علية القوم وليس من «اعيال بطنها»!
إنما هو مواطن درجة ثانية وهويته الوطنية موضع للشك والريبة، وانتماؤه وولاؤه خاضعان للطعن.
وهذا الأمر راجع لادعاء بعض أبناء بلدة العاصمة بأنهم يتميزون على غيرهم بالريادة وبناء الدولة الحديثة، وهذا الأمر خاطئ جدا كخطأ وخطيئة السلبيات التي سقنا آنفا، لأن الريادة الحقيقية والبناء المؤثر والمؤسس كان لحقلي «بحرة - وبرقان»، فبلدات وقرى وبادية إقليم القرين (الكويت الحديثة) قبل اكتشاف البترول كانت تتساوى في معاناتها من شظف الحياة والفقر والجوع، لا نفضل أحدا منها على أحد، ولم تكن هناك دولة بالمعنى الحديث أو الصحيح حتى يدعي أحد على أحد بأفضلية الريادة والبناء.
***
لذلك وجب التنويه والتوجيه بضرورة أن الكويت يجب أن تكون لكل أبناء الكويت الدولة وليس فقط لأبناء الكويت البلدة أو العاصمة.
وهذا أمر واضح وبديهي والعمل بخلافه يشكل خللا ليس من المفروض وجوده ولكنه موجود ومتمثل تحديدا وتأصيلا بتوجهات الحكومة في تولية الوظائف العامة والمناصب العليا (هذا ولدنا).
كما أنه ملحوظ بتوزيع الدوائر الانتخابية على المحافظات، فمحافظتا العاصمة وحولي تضمان الدوائر (الأولى والثانية والثالثة) تفرزان 30 نائبا، والمحافظات الأخرى وهي الجهراء والفروانية (الدائرة الرابعة)، ومبارك الكبير والأحمدي (الدائرة الخامسة) تفرز 20 نائبا.
وهذا التوزيع الظالم مقصود لأنه يجعل محافظتين أعلى من أربع محافظات، والمفارقة العجيبة أن دائرة واحدة كالدائرة الخامسة تتفوق في عدد المقترعين على الدائرتين الأولى والثالثة مجتمعتين، وكذلك هو حال الدائرة الرابعة.
***
كلنا يتذكر ما حدث في مجلس الأمة عندما رفع أحدهم لافتة تحمل عبارة: «الكويت للكويتيين فقط»، وما صاحبها من فوضى وصخب، لأن الكل بلا استثناء فهم المراد منها بكل تحديد، وهو أن الكويت للكويتيين من أهل بلدة الكويت، أو الكويت العاصمة فقط، وليس الكويت بكل أقاليمها، ازدراء واحتقارا لباقي المكونات واغتصابا لحقوقهم الوطنية لذلك حدث الشد والجذب بين مؤيدي هذا التوجه ورافضيه.
***
٭ ملاحظة مهمة: مساحة (بلدة الكويت) لا تتجاوز 10 كيلومترات مربعة، بينما مساحة (الكويت) تحديدا 17818 كيلومترا مربعا.
[email protected]
[email protected]