«الرجل الذي أسقط البيت الأبيض» فيلم عرض في العام 2017 عن قصة حقيقية اعتمدت على كتابي «هرم الإف بي أي» 1979 و«حياة رجل حكومة 2006» تأليف مارك فليت، وتدور رحى القصة بين أروقة السياسة وأتباعها على النفوذ والسلطة، وبطلها هو المؤلف وكان الرجل الثاني في مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI).
«فليت» قال أنا ومن بعدي الطوفان عندما تجاوزه الرئيس الأميركي وعيّن غيره رئيسا للمكتب في حين كان يرى أنه المستحق لهذا المنصب بعد سلفه، لتبدأ معركة انتقام وإثبات قدرات بتسريب معلومات تنتهي باستقالة الرئيس الأميركي «نيكسون» على خلفية الفضيحة الشهيرة «ووترغيت».
موظف رفيع قريب من صناع القرار ومطبخه، رفع راية الإصلاح من الداخل، هكذا يحتج، والواقع يؤكد أنها حرب رد اعتبار شخصي، بمكافحة السلطة ممثلة بالبيت الأبيض وذلك عبر تحذير الرأي العام من تجاوزاتها وجنوحها للاستبداد، فسرّب معلومات لصحافيين من «واشنطن بوست» هما (بوب وود وارد وكارل برنستين) اللذان كانا وراء تفجير «ووترغيت» التي أطاحت في نهاية معركة التسريبات بنيكسون ودفعته للاستقالة في أغسطس 1974.
وهذا عزيزي القارئ ليس هو الخبر آنذاك، رغم أن مصدر الصحافيين الذي كان وراء تدفق المعلومات التي نشرتها الصحيفة تحت وصف «رجل مجهول» أطلقت عليه الصحيفة «الحلق العميق» Deep Throat هو «مارك فليت» الرجل الثاني في مكتب التحقيق الفيدرالي، وشخصيته كانت غير معلنة حتى 2005 والأحداث كانت في عهد نيكسون، الذي تعامل بوجهين، المخفي الذي يسرب المعلومات للصحافة، والمعلن الذي يحيل للتحقيق من في المكتب باتهام تسريب تلك الأخبار، بل الخبر أن مركز اتخاذ القرار عندما علم بأنه الفاعل لم يتهمه أو يلاحقه قانونيا أو حتى يتخلص منه بوسائل غير مشروعة اتقاءً لشر أكبر فيما لو سرب البقية مما يعلم من الخفايا والخبايا لمكتب التحقيق الفيدرالي والمؤامرات التي تحاك في أروقة البيت الأبيض، مركز ادعاء الديموقراطية وحقوق الإنسان.
حتى الآن أعزائي ليس هذا موضوع المقال، الصبر طيب، بل مدخل لأتساءل: أين الإعلامي الكويتي في دولة الريادة السياسية والحرية الصحافية من الدور الفاعل في مراكز اتخاذ القرار؟ لنترك الاحتجاج ضد قانون الجرائم الإلكترونية الذي كمّم الأفواه فقد أقر في 2015، قبل ذلك أقول: ما دور الصحافي الكويتي في التأثير على الرأي العام بالتوجيه والتجييش و«اللوبي» لتوجيه القرار الحكومي سواء ضد أو مع؟ أين الصحافي من دوره الرقابي على سلوك البرلمانيين؟ الإجابات لا تخفى على أحد، فقد تضاربت المصالح الشخصية مع العامة فانتصر كل لأجندته.
اليوم ترى الصحافي يتملق النائب ليعينه مستشارا في مكتبه، بدلا من أن يقترح عليه تبني مشاريع تخدم الوطن والمواطن، أو «يحوس» عند مكتب الوزير بدلا من أن يعرض عليه استعداده لتنظيم «لوبي» لمشاريع تنفع البلاد والعباد.
تلفّت حولك وسترى أن الأغلبية من الإعلاميين لا يعملون في المجال الإعلامي بل في المصلحي والانتفاع بكونهم إعلاميين، بينما العكس هو الصحيح بأن يكرس الإعلامي قدراته وإمكاناته في التقصي والملاحظة وربط الأحداث والتحليل للصالح العام.
أصبح الإعلامي الحلقة الأضعف أخلاقيا والكل يقدر «يطوله» ويشتريه إلا قلة متناثرة ستنقرض إن لم تتكاتف، فتنحي الجيدين عن الساحة بدعوى الترفع عن المستوى الهابط للسيئين سودهم.
عاصر «فليت» الحرب العالمية الثانية 1941، ولم يعترف بأنه المسؤول عن التسريبات التي أطاحت برئيس أميركا إلا في 2005، تقاعد في 1973 وتوفي عن الخامسة والتسعين في 2008، وأنقل هذه الفقرة من مقال عن الفيلم: (بعد أن ازداد الشك في أن «فليت» كان المسرّب الأساسي للمعلومات التي استخدمتها «واشنطن بوست» لفضح ما ارتكبه أشخاص على صلة بالحزب الجمهوري من تجاوزات عندما اقتحموا مبنى الحزب الديموقراطي وزرعوا أجهزة للتنصت على اجتماعات أعضائه، وثبت أن الرئيس نيكسون كان على علم بهذا التجاوز، وربما يكون هو الذي أمر بالعملية، في إطار سعيه للفوز بفترة رئاسية ثانية عام 1972، وقد فاز بالفعل، لكنه سقط بعد أقل من عامين، وكان وراء سقوطه «فليت»).
kholoudalkhames@