عدم إحساس الفرد بالعدالة الاجتماعية يدفعه لأن يحقق العدالة على طريقته، فيصبح في ذهن الغالبية أن كل شيء مباح، وأي شيء يستطيع الوصول إليه هو حق من حقوقه، فيصبح الوضع في المجتمع «مخامط» الكل يريد أخذ كل شيء، وشخصية «الذيب» الذي يتفاخر بتجاوزه القانون، وأخذ حقوق الآخرين، هي الشخصية التي يطمح أفراد المجتمع للوصول إليها، وكلما تجاوزت أحبك أفراد المجتمع أكثر، وكلما التزمت في القانون أصبح (درويش) لا يعرف مصلحة نفسه، وتصبح الطيبة غباء، والخداع يصبح ذكاء، والغدر أصبح دهاء، وسرقة المال العام بطولة، والإنسانية تقسم على حسب العرق واللون والمذهب، وغالبا بتحليلك لهذا النوع من المجتمعات تستغرب من مدى قربه من قانون الغاب، وكأنهما خطان متوازنان.
نجاح أي مجتمع يعتمد على النجاحات الصغيرة للأفراد أو الفئات الصغيرة، تتم رعايتها وتنميتها من المجتمع حتى تكبر، ومع زيادة هذه النجاحات ينعكس ذلك على المجتمع فيصبح ناجحا، والمجتمعات التي لا توجد فيها عدالة اجتماعية تهمش هذه النجاحات الصغيرة، وتدمر دون وعي البيئات الراعية لها، بالمحسوبية والمعارف وفكرة «من صادها عشى عياله» تصبح هي المسيطرة، عندما لا تعطي الدولة المواطن حقوقه، يبحث عن كيانات أصغر تمكنه من الحصول عليها، ويصبح ولاؤه لهذه الكيانات أو الهويات الصغرى، ومستعد لأن يضحي في سبيلها، ليس حبا فيها، بل سعيا لاستمرار حصوله على حقوقه أو مكتسبات لا يستحقها، ويصبح المجتمع ممزقا، وبالتالي فإن توحيد المجتمع يكون بإضعاف هذه الكيانات، وإضعافها يكون بتحقيق العدالة الاجتماعية.
المجتمع يشكل شخصية الفرد ومستوى طموحه وسلوكه وعاداته، الفرد الذي يرتكب جريمة، هي فعل فردي، لكن غالبا يكون المجتمع مشاركا بشكل غير مباشر في الجريمة، فالمجرم هو نتيجة جماعة، والمبدع كذلك، لذلك المجتمع الراغب في إنتاج المبدعين يجب أن يطبق فيه الفرد العدالة الاجتماعية على نفسه أولا، ثم يطالب بتحقيقها من وإلى الآخرين ثانيا، فلا يمكن لمجتمع يسود فيه «المخامط» أن ينتج إبداعا، لأن الأفكار الإبداعية تحتاج الى بيئة صحية لتثمر فيها.
[email protected]