تروي الأسطورة الإيرلندية أن هناك كائنا أسطوريا اسمه الدادجا، لديه موهبة أنه إذا مسك قيثارته، لعب بمشاعر الناس، فلديه الإمكانية أن يبكيهم أو يضحكهم أو حتى ينيمهم، وحدث أن سرق الأعداء آلته، ووضعوها في حصن، عرف دادجا مكانها، ولما اقترب من الحصن طارت القيثارة وحطت في حضن صاحبها، وهمّ الجنود بقتله، لكنه عزف لهم فضحكوا، وغير العزف فبكوا، ثم جعلهم ينامون، وخرج من بينهم بسلام.
الأسطورة ترمز إلى أن هناك طرقا عديدة للسيطرة على الآخرين أسوأها العنف، وأن هناك حلولا لكل مشكلة أحقرها العنف، العيش في أي مجتمع بشري يعرض الفرد لضغوط تجعله يثور، لكن هناك مجتمعات تحرص على تربية أفرادها على التعاطي السلمي مع الآخرين، وهناك مجتمعات أخرى تجعل حبل العنف على الغارب، ولا تحد من تعاطيه، وكلما زاد تهميش القانون في مجتمع زادت فيه الحلول العنفية، فيصبح مد الأيدي هو لغة الحوار السائدة، وذلك لقناعة الفرد بأن من لديه معارف من الممكن أن يتجاوز القانون، فالمتضرر لا يحاول حينها اللجوء الى القانون، ويحاول أن يأخذ حقه بيده.
ليس لدي شك في أن العنف أصبح ظاهرة في المجتمع، ويكاد لا يمضي يوم إلا ونشاهد «هوشة»، إن لم نكن شهودا عليها، نشاهدها أو نسمع عنها في وسائل التواصل، وكان من المفترض أن يتم إنشاء مركز خاص لدراسة هذه الظاهرة ومعالجتها منذ الغزو، وأصبح الآن ضرورة قصوى بعد أزمة كورونا، لما مر به المجتمع من عزلة حظر كلي وجزئي، وهذا كله له تأثير كبير على نفسية الفرد والمجتمع.
قد تكون القيثارة في الأسطورة رمزية، للدخول إلى قلوب الناس والتحكم فيها بطريقة سلمية محبة، فالجنود كانوا على استعداد تام لقتل الدادجا، وهو كائن أسطوري له المقدرة على قتلهم، لكن كان معالجة المشكلة في منتهى السلمية. والفائدة عمت الجميع، فلا الجنود قتلوا، وحصل صاحب القيثارة عليها.. وفي النهاية فإن تعزيز مثل هذه الأفكار نحن في أشد الحاجة إليه.