كثيرا ما نقول ونردد «سوف وليت ولعل» وبشكل شبه يومي، وربما أتبعنا هذه الكلمات ببعض الأمنيات والآمال، أما لعل وليت فهما حرفان ناسخان من أخوات إن، فلعل تفيد الترجي وليت تفيد التمني، وسوف حرف تنفيس للمستقبل القريب، والحقيقة التي لا لبس فيها أن أعمارنا مضت ونحن بين سوف وليت ولعل، ولله در الحكيم حيث يقول: زرعت بذرة سوف فأخرجت شجرة ليت، فجاء ثمرها لعل، سبحان الله تجد المرء يقول بثقة زائدة: سوف أفعل هذا الشيء عاجلا غير آجل، ولكنه في الحقيقة لم يفعل ما قاله، ربما لعدم توافر النية الصادقة لديه، فصارت سوفه هباء منثورا، ويقول أيضا: ليتني لم افعل ما فعلت، ولم أخطئ هذا الخطأ، ثم يعاود المسكين الوقوع في نفس الخطأ بعينه ويكرر خطأه، ولم يحقق من ليته شيئا، لأنه لم يستكن ويرعوِ، وتجد أيضا من تذهب به أحلام اليقظة بعيدا عن الواقع، فيقول لعل يواتيني الحظ فأحقق ما أحلم به، فأبني وأعمر وأستثمر وأصبح من أصحاب رؤوس الأموال، إلا أن الحظ لم يواته ولم يتحقق له ما أراد، فلم ير شيئا مما تمناه على ارض الواقع، فلا بنى ولا عمّر ولا استثمر، وقد قال الشاعر وأحسن ما شاء:
والمرء مرتهن بسوف وليتني
وهلاكه بالسوف والليت
والأمثلة نفسها تنطبق على الشعراء وهم أكثر من يقول سوف وليت ولعل في هذه الدنيا، فهذا عمر بن أبي ربيعة المخزومي يقول:
ليت هندا أنجزتنا ما تعد
وشفت أنفسنا مما نجد
فلم تنجز له هند وعدا ولم تشف نفسه مما يجد، وعاد يجر أثواب الخيبة، وهذا البهاء زهير أيضا يقول:
لعل الله يجمعنا قريبا
فنصبح في التئام واتفاق
فلم يجمعه الله بمن أحب لا قريبا ولا بعيدا، ولم يلتئم شمله بها ولم يتفقا، بل كل سار في حال سبيله وربما لم يلتقيا ثانية، وهذا أبو العتاهية يتمنى ما لا يكون فيقول:
ألا ليت الشباب يعود يوما
لأخبره بما فعل المشيب
فهل عاد له شبابه؟ لم يعد له شبابه لأن ما تمناه ضرب من ضروب المستحيل ولا يمكن له أن يتحقق، بل ازداد شيبا وكبرا وضعفا، من هنا أقول أن كل هذه الأماني كواذب مثل أضغاث الأحلام، ومن يقل شيئا ويفعل عكسه يحاسبه الله على ذلك، قيل لرجل حكيم: أوص، قال: (احذروا سوف) فهي من جنود إبليس، وقال الحسن البصري: يا معشر الشباب، إياكم والتسويف، سوف أفعل، وسوف أفعل، وأوصى ثمامة بن بجاد السلمي قومه فقال: أي قوم، أنذرتكم سوف، سوف أصلي، سوف أصوم، سوف أعمل. ودمتم سالمين.