العدة جمعها عدد وهي الاستعداد والتأهب، والشدة جمعها شدائد وهي الأمر يصعب تحمله مثل المصائب والأمور العظيمة وشظف العيش وضيقه، والأولى كنحو قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
أعددت للحدثان سا
بغةً وعدّاء علندى
والثانية كقول الإمام الشافعي:
جزى الله الشدائد كل خير
وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها حمداً ولكن
عرفت بها عدوي من صديقي
والحقيقة أن كثيرا من الناس يمرون بشدائد ومصائب ومحن في هذه الدنيا من وجوه عدة، وربما تعرضوا للخذلان من أناس ظنوا بهم الخير فتخلوا عنهم وقت الحاجة، ما يزيد ألمهم ألما، وحزنهم حزنا، وقد صدق القائل: الشكوى لغير الله مذلة، فلم نضع أملنا ورجاءنا في الناس، ورب الناس قال لنا برحمة وشفقة الخالق على خلقه: (أمن يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون) «النمل: 62».
فالله سبحانه وتعالى هو العدة عند الشدة والمؤنس عند الوحشة والرجاء عند المصائب والنوازل، والملجأ عند الاضطرار والغناء عند الافتقار، ومغيثنا عند الفزع ودليلنا عند الحيرة ومعيننا عند الكرب والرحيم بنا وناصرنا عند الخذلان، فهو المبتلي والقادر على إزالة البلاء، فذل العبد لمولاه وتضرعه عز، ولعل من محاسن الشدائد والمحن التي تمر بنا أنها تكشف لك معادن البشر، والاهم من ذلك أنها تجعلنا نقترب من الله تعالى ونبادر في اللجوء إليه، ونفضي بهمومنا له، وندعوه مخلصين، ونتعود الصبر وانتظار الفرج، وللدعاء في حياتنا أهمية كبيرة فهو من العبادات التي تقرب العبد من ربه والله سبحانه وتعالى يحب ذلك.
وما هذه الشدائد والمحن التي تمر بنا إلا تنبيه وتحذير لنا من الله العلي القدير بأننا مقصرون تجاهه، وقد يقترن بالمصيبة والحزن ما يثاب عليه المحزون، كان أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقرأ في صلاة الفجر (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) فيبكي حتى يسمع نشيجه من آخر الصفوف، وقد بين لنا الله تعالى أسبابا كثيرة للابتلاء، ومنها قوله عز من قائل (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) «الرعد: 11».
وهذه الآية من شروط إجابة الدعاء وهي واضحة ولا تحتاج إلى تفسير، فما دمت بعيدا عن الله فأنت عرضة للمصائب والمحن، فلا ملجأ من الله إلا إليه، فعلى العبد أن يتقي الله في أموره كلها، وليس ثمة شيء افضل من الصبر الجميل عند الشدائد، وفي النهاية أود أن أشير إلى أمر مهم وهو أنه لا بأس بشكوى الاستعانة والإرشاد والمعاونة وإخبار المظلوم لمن ينتصر له بمظلمته، مثل شكاية نبي الله يعقوب حيث قال: (يا أسفى على يوسف) وقول نبي الله موسى (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) ونحو ذلك، فنحن نرى العبر في أنفسنا وغيرنا والمنة على من هداه الله. ودمتم سالمين.