تيقن دائما أن كل شخص يظهر في حياتك لديه مهمة خاصة تجاهك، مهمة قد لا تعلم عنها شيئا حينها، مهمة يختفي صاحبها عادة عند انتهائها، وغالبا من يأتي بتلك المهمات لنا هم العابرون، اولئك الاشخاص الذين يظهرون في حياتنا دون ادنى جهد منا، ولكن تأتي بهم ظروف الحياة إلينا، وكأنهم مرسلون من الباري سبحانه في ساعة معلومة ومكان معلوم، اشخاص ادركونا في اوقات تشبه ادراك الغريق، قد يحملون لنا درسا او رزقا، او قد يحملون لنا اعمق مما نظن وادق من ان نراه، نتذكرهم نعم، وتختلف الذاكرة بما تحمله من مشاعر حولهم.
فهناك ذاكرة تحزننا، وأخرى تفرحنا، وأخرى تقتحمنا بتفاصيلها المملة أو الممتعة، وكل هؤلاء الاشخاص تذكرهم واجب ونكرانهم هو المستغرب! أما الروعة والمتعة الحقيقية فعلا هي تذكر اولئك العابرين في حياتنا، على الرغم من علمنا أن هؤلاء حين داهمونا أول مرة، كأنهم قالوا لنا: نحن عابرون في حياتكم، فليس عليكم أي التزام تجاهنا، فلن نحزن إن لم تتذكرونا.
مثلا، قد تتذكر طفلا ما رأيته في أحد المطارات مصادفة، وتتذكر ابتسامته اللطيفة لك التي وهبتك الفرحة فأنستك تعب السفر والانتظار، ومن دون أن يشعر هو بك ومن دون أن يسمع حتى منك، وعلى الرغم من ذلك تتذكر انت ذلك العابر الصغير في كل مرور لك بأي مطار، او عند ذكر كلمة السفر أمامك أحيانا.. او تتذكر شخصا عابرا التقيته أيام الدراسة، ولا تعرف اسمه، وملامحه حاصرها الضباب، فلم تعد تميز وجهه ولا تميز صوته الذي قال لك حين التقيته: «أأنت فلان؟»، فمازحك بعدها ورحل عنك، او تتذكر في ذلك الصباح الجامعي شخصا التقاك مصادفة وأخذك بالأحضان، وأخذته بالأحضان والضحكات العالية، وبعد دقائق تكتشف أنك لا تعرفه، فقد شبه لك، ويكتشف هو ايضا أنه لا يعرفك، فقد شبه له، فتتبادلان الاعتذارات والضحكات الخجلى وتفترقان، وعلى الرغم من تلك المسافة بينكما، إلا انك تتذكره وتتذكر تلك الحادثة.
والكثير والكثير من المواقف والاحداث التي تحصل معنا والتي بالتأكيد انها ليست مجرد صدفة، فالعابرون في حياتنا ليسوا هامشيين، إننا نتذكرهم كلما اقتحموا ذاكرتنا بلا استئذان.
فهم يأتون ويذهبون وقد يحملون البداية والنهاية لنا دون ان يؤذوا، وهنا يجب أن نبحث عن السر في ذلك.
فإذا أتى بحياتك شخص ما واختفى، ولم تلحظ تغيرا ظاهرا فابحث عن الدرس، فقد تكون لم تعِ الدور الذي قام به من اجلك، وكثير من الاحيان لن تكتمل مهمة اولئك العابرين إلا بعد رحيلهم، فهم يدخلون بشكل لطيف معطرين بالدهشة، نتذكرهم على الرغم من مرورهم السريع في حياتنا.
لذلك، لا تحزن ابدا إذا كنت شخصا عابرا في حياة الآخرين، فربما يتذكرونك هم دائما، كما لا تزدري العابرين، فربما يقتحم أحدهم ذاكرتك ليستوقفك، أكثر مما استوقفك حين كان عابرا في حياتك.