الشك واليقين في نفس كل إنسان، فأين يجد الإنسان نفسه بين هذا وذاك، فإن رجحت كفة الشك عاش حياته في دوامة، وإن كانت الثانية فأحرى به أن يعيش مرتاحا، فالحذر من أن يغلب شكك يقينك، فتمنى بالتعاسة، والخوف كل الخوف من الشك القاتل، ووضع الشك موضع اليقين دون تثبت، فقد تؤدي نتائجه إلى ما لا تحمد عقباه، فكم زهقت أنفس ووقع الطلاق بداعي الشك، ثم تبين أن الأمر عكس ذلك ولكن بعد فوات الأمر.
وبالعودة إلى معنى الشك، فهو حالة نفسية يتردد فيها الذهن بين الإثبات والنفي، كشكك في وضوئك وشكك في صلاتك، على عكس اليقين فهو الأمر الثابت الذي لا لبس فيه، وبين الشك واليقين فرق كبير والحاكم العادل بينهما قلبك، وربما شك المرء بقدرته على فعل شيء فأصبح قلقا مترددا، فيفقد ثقته في نفسه، وقد عرف الجرجاني الشك فقال: هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر.
وإذا تمكن الشك من المرء جعل حياته لا تطاق، وربما كان الشك أول مراتب اليقين كحال النبي إبراهيم عليه السلام، فقد شك بما عليه قومه من عبادة أوثان وشرك بالله، فقاده شكه في ذلك إلى التفكير بمخلوقات الله حتى وصل إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، وعلينا ألا نجعل الشك بلا يقين يفقدنا الثقة بأصحابنا وبمن نتعامل معهم، فقد يقودك شكك إلى الإثم فترتكب ذنبا، وألا نجعل فشل تجاربنا مع الغير وصداقتنا مدعاة للقلق والحيرة حتى لا يتحول الشك إلى الخوف والتوتر، ولا يمكن أن نقوم بعمل إلا باليقين ومن ضعف يقينه ضعف عمله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أخاف على أمتي إلا ضعف اليقين» إن أول درجات اليقين معرفة الله حق معرفته والاتكال عليه في كل صغيرة وكبيرة واليقين بما عند الله من ثواب وعقاب.
ومن صور اليقين بالله الرائعة في تاريخنا قصة عقبة بن نافع الفهري فعندما أراد أن يبني مدينة القيروان في المغرب، وصل إلى مكان وحل ومشتبك وبه الكثير من السباع والأفاعي وغير ذلك، فدعا الله تعالى قائلا: «أيتها الحيات والسباع إنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارحلوا عنا إنا نازلون»، فنظر من معه من المسلمين إلى الدواب تحمل أولادها والسباع تحمل أشبالها والحيات تخرج من جحورها مسرعة، فرأى ذلك كثير من البربر ممن لم يسلموا فأسلموا، فهل بعد هذا اليقين يقينا، وعلى ذلك يقول المتنبي:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عداته
وأصبح في ليل من الشك مظلم
من هنا أقول إن اليقين نور أبلج، والشك ظلام دامس، فلا تدع شكك يجعل من يقينك وهما فتصبح قلقا وتمسي قلقا.. ودمتم سالمين.