نيفين أبولافي
تنوعت الأعمال التلفزيونية المحلية على الشاشة الرمضانية لهذا العام بأشكالها ومضامينها وحكاياها المتعددة ما بين الحاضر والماضي، ويعتبر مسلسل «البوشية» من الأعمال التي استطاعت أن تفرض حضورها ومتابعتها على المشاهدين لعمق الطرح وبساطة الحكاية.
«البوشية» عمل تراثي حقبوي تدور أحداثه في إحدى فرجان الكويت قديما، يقود الحدث الرئيسي فيها أبناء عائلة المزيزي، هذه العائلة التي اشتهرت بالتجارة والأملاك وعلى رأسهم (بوأحمد)، هذا التاجر الذي يعمد إلى شراء ورهن منازل وأملاك عيال الفريج بعد غرق منازلهم بعد أن اضطروا إلى الاقتراض منه ومن يتعذر في سداد دينه يقوم بمصادرة منزله وعرضه للبيع في المزاد.
ومنها تنطلق الأحداث التي تتطور بدخول (بومجبل)، هذا العامل البسيط على خط الأحداث من خلال صراع ابنه مجبل مع أحمد ابن التاجر المزيزي إلى أن تتطور الأمور إلى فوز مجبل بثقة (بوأحمد) الذي يضيق ذرعا بتصرفات ابنه أحمد فيرسله إلى الهند ويسعى (بوأحمد) للزواج من شقيقة مجبل بعد وفاة والدهم.
الصراع في هذا العمل قد يكون تقليديا في الدراما ما بين الخير والشر، المال والنفوذ أمام المبادئ وبساطة الحياة، إلا أن الكاتب فايز العامر استطاع أن يخلق حكاية محكمة الصنع جاذبة للمشاهد من خلال حكايا الشخصيات الأخرى وتأثيرها على الحدث العام ومن تحدي الظلم والنفوذ التي شهدناها بين (بومجبل) وسكان الفريج أمام (بواحمد) إلى حواديت الحب والأمل التي عاشها مجبل تجاه مريم ابنه المزيزي ومبارك تجاه بنات عمه إلى صراع النسوة والغيرة ومحاولة الظفر بالهيبة والسيطرة.
حاكى هذا النسيج الدرامي واقع المشاهد أينما كان في هذا الصراع الذي يشعره وكأنه جزء من الحدث، فكان إسقاطا رمزيا على الواقع بامتياز لحدث ما في زمان كان وكأنه اليوم ولم تفت على المخرج أي تفاصيل تكميلية سواء من الأزياء او الاكسسوارات وغيرها من عناصر العمل التراثي ولم يمر المسلسل بأي عثرات فنية وتنامى الصراع بشكل سلس ومتناغم مع أداء الشخصيات، ولعبت المفارقة الدرامية دورا ملحوظا في إبقاء المشاهد في حالة ترقب لما سيحدث لاحقا.
تناغم اسم العمل مع مضمون أحداثه، فـ«البوشية» هي ذاك الغطاء الخفيف الذي يخفي معظم ملامحنا مهما كانت جميلة او قبيحة وهي أيضا تلك الغطوة التي نقف خلفها كي لا يرانا أحد من الداخل بوضوح، وهي أيضا تلك التي نتخفى بها عن الناس لتستر عيوبنا، وفي المسلسل كثيرة هي المشاعر التي نود أن نخفيها والأحلام التي ننتظرها من وراء غطاء، والعيوب التي لا نود أن يكشفها احد وحاجاتنا التي تسترها عفتنا.
قدم الفنان عبدالرحمن العقل شخصية (بوأحمد) التاجر الاستغلالي الذي انتهز ظروف أبناء الفريج ليحكم قبضته عليهم ويزيد ممتلكاته، إلا أن الكاتب لم يطلق عنان الشر في شخصيته، فوجدناه وان كان طماعا في جمع المال ومتسلطا، الا اننا نشهد تمسكه ببعض القيم الحميدة والتي حاول زرعها في ابنه الهامل، رافضا تعديه على الناس والاساءة لهم لمجرد انه ابن تاجر وكان يعاقبه على كل خطأ يقوم به.
الفنان جاسم النبهان قدم شخصية قلما يجسدها في هكذا أعمال تراثية، حيث جسد شخصية (بومجبل) العامل البسيط عند (بواحمد) وقد برع في أدائه لمشاهد الانكسار والخوف الممزوجة بالعزة والعفة.
محمد الحملي نشاهده في شخصية مختلفة تماما على امتداد العمل بعيدا عن الكوميديا وبأداء لافت كحضور وأداء تمثيلي أمام كل من القدير جاسم النبهان وعبدالرحمن العقل.
مشاري المجيبل قدم شخصية أحمد، هذا الشاب المشاكس والمؤذي وهي شخصية اعتدنا أن نراه يتقنها في عدد من الأعمال التي قدمها سابقا.
الفنانة سلمى سالم (ام أحمد) هي بمنزلة المحرك للأحداث، كونها تدفع بابنها وزوجها للمواقف التي تكون سببا في تفجر الصراع بينهم تارة وبين الآخرين تارة أخرى، تقابلها الفنانة فيّ الشرقاوي كند لها في العمل، بينما قدمت (ياسة) شخصيتها اللطيفة من خلال أدائها العفوي خلال أحداث المسلسل.
«البوشية» من إخراج حسين أبل وتأليف فايز العامر، ومن بطولة جاسم النبهان، محمد جابر، مريم الصالح، عبدالرحمن العقل، محمد الحملي مشاري المجيبل وآخرين.