إن وراء ازدهار الحضارة العلمية وارتقائها على مر العصور الإسلامية رجالا مؤمنين بالعلم، حيث كانت لعطاءاتهم المستمرة وتشجيعهم دور كبير وبارز في خلق كوادر علمية موهوبة، فالخلفاء والأمراء في هذه العصور أنشأوا المكتبات والمدارس ودور العلم التي تزخر بالحيوية والنشاط الفكري والذهني للطلبة المبدعين وأصحاب المواهب، وقد قام هؤلاء الخلفاء والأمراء من أجل هذا بالإنفاق بسخاء على العلم والعلماء في العصر الذهبي.
فهذا الخليفة المأمون يمنح حنين ابن اسحق وزن الكتب التي يترجمها ذهبا، كما أن السلطان مسعود أهدى للبيروني مكافأة سخية على كتابه «القانون المسعودي» تقدر بثلاثة جمال محملة بالفضة، وقد اعتذر البيروني عن الهدية السخية، وذلك لكونه يخدم العلم للعلم فقط وليس للمال.
كما كان للمكتبات دور ريادي ومهم في نشر الثقافة العلمية، فمكتبة العزيز بالله الفاطمي تحتوي على مليونين وستمائة ألف مجلد مفهرس ومنظم، كما ضمت مكتبة دار الحكمة بالقاهرة مائة ألف مجلد في مختلف العلوم كالفلك والطب والرياضيات.. الخ، كما أن دار الكتب بقرطبة ضمت أربعمائة ألف مجلد.
ومما لا شك فيه أن العلماء العرب والمسلمين كانوا يتمتعون بالحرية الكاملة مع توفير بيئة مهيأة وصالحة لنشأة العلم وتطوره، حيث كان طلبة العلم في ذلك الوقت يجدون تشجيعا ودعما ماديا ومعنويا، مما مهد لهم حمل لواء مشعل العلم وإنارة عصر النهضة الإسلامية بنور الحضارة الذي أنار العالم كله.
ولقد ولد من رحم هذه الأمة العربية والإسلامية السمحة مئات العلماء الذين نفتخر ونعتز بهم أمثال: ابن الهيثم والخوارزمي وابن سينا، وابن النفيس، وابن رشد والبيروني وابن يونس المصري وغيرهم من العلماء الأفذاذ الذين أثروا العالم بعلوم الطب والفلسفة والفيزياء والفلك والرياضيات وغيرها من العلوم التي سطعت شمسها على الغرب وإنارتها بفضل علوم العرب ومكانتهم العلمية في ذلك الوقت.
وتمر الأيام والسنون لتطمس هذه الحضارة العلمية التي أذهلت العالم، وذلك بسبب غياب الوازع الديني وانحدار القادة الذين لا يؤمنون بالعلم والثقافة، وحولت حقول العلم الخضراء الزاهية بسبب جهلهم إلى حقول جفاف قاحلة للفكر والعقل، ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى وصحوة أحفاد علماء العرب والمسلمين الأفذاذ ظهرت باقة حلوة من العلماء المتميزين العباقرة أمثال المفكر الكبير والمبدع العربي الذي أذهل العالم بمواهبه العلمية الدكتور البروفيسور أحمد زويل العربي المسلم مصري الأصل أميركي الجنسية الذي حاز جائزة نوبل في علوم الكيمياء عام 1999 وشرفنا في المحافل الدولية كأحد أبرز العلماء في القرن العشرين، كما لا ننسى العالم المسلم الباكستاني الأصل، البريطاني الجنسية د.محمد عبدالسلام الذي يعتبر أول عالم مسلم يحصل على جائزة نوبل في الفيزياء، وذلك لأبحاثه المتميزة وكان رئيسا للمركز الدولي للفيزياء وبلا شك سيظهر علماء آخرون غيرهم يحملون مشعل العلم ويرفعون راية التحضر الثقافي والابداعي، ويتفوق علماؤنا العرب والمسلمون على منافسيهم في الدول العالمية وسيحصدون الجوائز واحدة تلو الأخرى ويتربعون على عرش العلوم بالعالم بكل ثقة وفخر وتواضع، ولكن بشرط أن نؤمن نحن القادة إيمانا كاملا بالعلم ونهيئ لهم كل الأسباب المساعدة لنجاحهم. ونطلقها دعوة صريحة مفتوحة لكل المؤسسات العلمية والثقافية والتربوية والاقتصادية في بلدي الحبيب الكويت، بألا يبخلوا على أبناء الوطن بالحوافز المادية والمعنوية حتى يتم بناء حضارة كويتنا الغالية على احدث الأسس العلمية والتكنولوجية، ليعيش جيلنا الحاضر والقادم في عزة وكرامة شامخا شموخ أجدادنا العلماء الأفاضل الذين أثروا العالم بعلومهم التي سطعت شمسها على الشرق والغرب، فأنارت حضارتها الإنسانية.