النرجسية أشبه ما تكون بالمرض النفسي، وهي تعني حب النفس حبا شديدا، وتعد من أعلى درجات الأنانية، وتوصف بالاهتمام الاستثنائي بالذات والإعجاب الشديد بها، وتتميز هذه الشخصية بالغرور والتعالي والكبرياء والشعور بالأهمية دون الغير، ومحاولة الكسب ولو على حساب الغير، فلا شأن لها بسواها ولا يعنيها الغير شيئا، «نفسي ثم نفسي».
ولاشك أن النرجسية مشكلة اجتماعية وعلة باطنية يعاني منها بعض الناس الذين نراهم بين الفينة والأخرى، ولا بأس لديهم أن يسخروا من الغير واستغلالهم لصالح أنفسهم، وهذه الصفة مذمومة في ديننا الإسلامي لأنها من الأخلاق غير السوية، فكل إنسان عاقل يعرف حجم نفسه، ويدرك أنه مخلوق ضعيف لا حول له ولا قوة، وكما قيل: «رحم الله امرأً عرف قدر نفسه»، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: (من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره) «عبس»، وقال أيضا عز من قائل: (ولا تصعر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور) «لقمان».
وميزان التفاضل بين عباد الله التقوى، وحسن الخلق، والحقيقة أن النرجسية والكبر توأمان، لذلك ذم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصفة ومقتها فقال: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه»، وهي النرجسية والخيلاء، ولا تجد للنرجسي صديقا إلا ما ندر، لأنه مشغول بنفسه عن غيره، وقد تزايدت النرجسية عند بعض أبناء هذا الجيل بالذات مقارنة بالأجيال السابقة، وثمة علاقة وطيدة بين هذا الأمر ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت منصات لترويج الذات والتفاخر والاستعراض، فهذه الوسائل ساهمت بشكل كبير في إبراز هذه الشخصية بصورة واضحة.
والحقيقة أن هناك خيطا رفيعا بين الثقة بالنفس والنرجسية وقد يصل الأمر بمثل هذه النوعية إلى أن يقول: «أنا ومن بعدي الطوفان» ولكي يتخلص المرء من هذه العقدة عليه أن يعرف انه يعاني من مشكلة، فيحاول بكل عزيمة التخلص منها، ويرفض من داخله هذا الإحساس وأن يشعر بالآخرين، ويعلم أن هذه الصفة منبوذة، وأن يتواصل مع الآخرين ويكوّن صداقات جديدة، ويتوكل على الله في أموره كلها والله الموفق. ودمتم سالمين.