في الذكرى 33 على غدر جار الشمال وغزوه لبلدي الكويت، شاء الله أن أكون بمدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية، بدعوة من أخي وصديقي عبدالرحمن «أبومهند»، حيث أخجلنا بكرمه وحسن ضيافته، فعندما سمع حديثنا حول تلك الذكرى المؤلمة، أراد أن يوثق حديث اللسان، برؤية العين وتلمس الواقع، فأخذنا بجولة بالسيارة الى عدة مواقع.
وأشار بيده قائلا: هنا كان يسكن الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، وهناك كان الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، وهناك كانت تجتمع حكومة المنفى الكويتية، وذكر لنا مواقع كثيرة كانت تخص تلك الذكريات، وزيادة على ذلك ذهب بنا الى فندق كبير قال عنه انه دخل التاريخ، حيث ولد «اتفاق الطائف»الذي أوقف الحرب الاهلية اللبنانية وأصبح منهجا للتوافق اللبناني،
قلت له: هذا ليس بغريب على المملكة العربية السعودية بلد المقدسات وبلد الانسانية والسلام، نحن ابناء الخليج شعورنا واحد، نفرح ونسعد حين ينجح شقيقنا الخليجي، نحن في الكويت لم ولن ننسى ما قامت به المملكة ملكا وحكومة وشعبا من كلام شدوا به أزرنا وهوّنوا علينا مصيبتنا وبشّرونا بالتحرير والعودة، وجيشوا الجيوش، وعرضوا أمن بلادهم وشعبهم ومقدراتهم للخطر، كانت فزعة ونخوة أعادوا بها قولا وعملا كل النصوص والمعاني التي حث عليها الاسلام والشرائع السماوية بنصرة المظلوم، وعودة الحق لنصابه، والشكر والامتنان لا يكفي ولا يوفي حقكم.
ابتسم بخجل وقال، إن أنت أكرمت الكريم ملكت.. وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا. أولا هذا واجب، ثانيا انتم يا أهل الكويت «راعين الأوله» وخيركم سابق، نحن لا ننسى فزعتكم وكرمكم منذ 130عاما تقريبا حين خرج الامام عبدالرحمن والاسرة الملكية ومنهم الملك عبدالعزيز، رحمهم الله، من المنطقة الشرقية وبالتحديد من منطقة «دارين» ومن قلعة وقصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب الفيحاني بقافلة يقودها رجال سبعان، حيث أناخوا رحالهم في الكويت بمنطقة القبلة تحديدا بـ «مناخ السبعان» وسكنوا قريبا من براحة السبعان، وفي هذا المكان تزوج الملك عبدالعزيز ورزقه الله بأول ابنائه الأمير تركي والاميرة منيرة، والملك سعود الذي قال: إن أول ارض لامست قدمي هي أرض الكويت الحبيبة، كذلك من ارض الكويت انطلقت عاصفة تحرير الرياض واستعادة الحكم.. إن ما يحز بخاطري اخي ابوعبدالله أني عندما شرعت بتأليف كتابي عن تاريخ تلك المرحلة التاريخية سافرت الى الكويت، وبحثت عن مواقع في الكويت ذكرها لي مؤرخون ثقات، فلم اجد لها وجود، رغم انها مهمة ولها مكانة في قلوبنا، لكن نهضتكم العمرانية طمست كل المعالم، في إحدى الدول وجدت لوحة كتب عليها «هنا مر فلان» مجرد مرور، فكيف بمقام جلالة الملك مؤسس المملكة العربية السعودية عاش بينكم وتزوج منكم، وأنجب أول ولي عهد للمملكة (الملك سعود) عندكم، وكانت أولى خطوات التحرير من ارض الكويت، كل تلك الاحداث مدونة ومفصلة بورق الكتب، ولكن لم اجد لها في الكويت أي أثر يدل على مواقعها، ولو رمزا أو لوحة، إنها أحداث يفخر ويعتز بها السعودي والكويتي معا.
كلماته كانت كطلقات بندقية تخترق أذني، وتدمي شعوري، لقد أحرجني بكلامه الحق، مثلما أحرجني المعنيون في وطني، إن وطني ليس نفطا ومالا ومنشآت إسمنتية، وأوبريتات غنائية، إن وطني له بالتاريخ صفحات ناصعة، وكأنه يقول لنا كما قال الشاعر:
«أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي»
أين أبناء السندباد؟ أين النواخذة، والغواصون..ألم يبق منهم أحد؟
[email protected]