في الـــذكرى الثالثة والخمسين لرحيل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، عليــنا أن نسـأل؟
لماذا يتــذكرها الناس ويستعيدونها ويتناقـــشون حولها مع كل هذه الفعاليات والكتابات واللقاءات؟ بكل بساطة لأنه يمثل قيمة حركية عظيمة كـ«مشروع» فيه من السلبيات والإيجابيات وهذا الأمر هو طبيعي لأن المشروع...اي مشروع في طبيعته إنساني وليس حالة ملائكية بـ «لا» أخطاء و«لا» عيوب و«لا» حتى مصائب إذا صح التعبير، ولكن الحالة التغييرية ما دامت تنطلق من رؤية ضمن خطة لها أهداف فإن هذا ما هو مطلوب من أي شخص يقول عن نفسه إنه «رجل دولة».
لأن السياسة ضمن تعريفها ومفهومها العلمي هي «فن إدارة المدينة» لذلك السياسة لديها اتصال مع الفرد والمجتمع ومؤسسات الدولة والاقتصاد والأمن...الخ وهذه الأمور يتم تنفيذها من خلال استغلال الموارد الموجودة وتحويلها الى مجالات الحياة لصناعة حالة حضارية راقية ذات جودة من حيث بناء دولة الرعاية للمواطن وضمان أساسيات الحياة من أمن غذائي وسكني وضمان وظيفي ومواصلات وصحة وصناعة اقتصاد استثماري حقيقي تكون فيه دورة الاقتصاد تخدم الجماعات التجارية ولا تتناقض مع مبدأ دولة الرعاية للمواطن.
لذلك السياسي «الحقيقي» هو الانسان صاحب المشروع الشامل للحاضر وللمستقبل وتكون لديه خطط زمنية ذات أهداف يطبقها على أرض الواقع، وأيضا في طبيعة الحال ان أي مشروع يتحرك في خط التطبيق يكون له من يرفضه ويقاومه لأنه سيتحرك ضد مصالح هذه الفئة من هنا وتلك المجموعة من هناك او مصالح دول خارجية من هنالك، وهذا الأمر حصل مع «مشروع جمال عبد الناصر».
تحرير قناة السويس، مجانية التعليم، الإصلاح الزراعي وبناء السد العالي، إنشاء أكبر قاعدة صناعية في دول العالم الثالث في ذلك الزمن، إنشاء إذاعة القرآن الكريم وترجمته لكل لغات العالم لأول مرة في التاريخ، إنشاء نظام التقاعد والضمان الصحي والاجتماعي، التنمية احصائيا وصلت سنويا الى 7% سنويا والأمية انخفضت الى 50%، والأهم دخول دولة الرعاية الشاملة من المدارس والمراكز الصحية والكهرباء...الخ في القرى والمحافظات خارج العاصمة، هذه «بعض» إيجابيات المشروع في وسط صراعات دولية عنيفة.
اذن ما نريد أن نقوله في ذكرى رحيل جمال عبد الناصر أنه قدم تجربة وحاول صناعة الاستقلال الحقيقي وعلينا أن نقرأ التجربة علميا بكل جوانبها ونحاول كـ«عرب» ان ننطلق من جديد في مشاريع أخرى تحمل نفس الذهنية لـ«رجل الدولة» صاحب المشروع، فالأشخاص زائلون ولكن الأمم باقية والأوطان لا تموت، لذلك لا زالت ذكرى جمال عبد الناصر باقية مع الناس نسترجعها ونترحم على الشخص.