عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت».
قرأت عن الصمت كلاما جميلا للكاتب مصطفى عبيد يقول فيه:
الصمت يكتب صمتا، نقاطا فارغة، لا شيء في لا شيء، تعبيرا بلا حروف، تعليقا دون تعليق.. على الرغم من ذلك فإنه أقوى من قصائد ذم، وأحدّ من بيانات احتجاج، وأبقى من مقالات نقد، أفضل في كثير من الأحيان من خطابات برلمانيين وسياسيين وقادة.. هو من ذهب وفضة وألماس.
يقول الأديب الجزائري الطاهر جاووت: «الصمت موت». ليس صحيحا، الصمت حياة، حكمة، استراحة المحارب الذي يقف وحيدا في العراء أمام جيوش القبح. الصمت ضرورة تعبوية، فرصة لالتقاط الأنفاس، لحظة للمراجعة، هنيهة لإعادة الحسابات، ربما زهدا في اللاشيء الذي قد يتصوره الحمقى غاية النجاح والفلاح، وربما قناعة أن القبح سيبقى قبيحا، وأن الباطل لن يغير منطقه، وربما تسليما لله بأن كل أقداره مقبولة في رحلتنا المؤقتة على الأرض.
الصمت لغة يعبر فيها عن الإيجاب والقبول أو الرفض والنفور، الصمت يعني الجمود المطلق أو القبول المطلق، الصمت هدوء مشوب بحذر، وسكون تتبعه حركة.
الصمت في لغة المحبين قبول، وفي لغة المتخاصمين نفور، وفي لغة الفلاسفة تفكر، وفي لغة العباقرة عمق، وفي لغة المتنفذين قوة، وفي لغة الجبابرة سطوة، وفي لغة المتعلمين أدب، وفي لغة الجاهلين منجاة.
الصمت يبعد عنك الخطأ والزلل والسقوط، حينما يصمت الإنسان يبعد نفسه عن مواطن الضعف والخطأ واللغط.
قال النبي ﷺ: «وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
اللسان سلاح ذو حدين ونصل ذو وجهين، فكم من بريء اتهم، وكم من متهم نجا، بسبب اللسان. فعن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ قال: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار». متفق عليه.
إذا لم يكن حديثك ذا فائدة أو يقدم الإضافة اصمت، إذا لم تستطع أن تضبط انفعالاتك اصمت، وإذا نازعتك نفسك للدخول في جدال عقيم اصمت، وإذا أردت الانتصار لنفسك اصمت، فالصمت لا يأتي غالبا إلا بالخير.
ليكن المعيار قول الخير، وليكن الميزان الرغبة بالإفادة، فكم من متحدث يريد نقيض ذلك للأسف الشديد، في زمن كثرت فيه الوسائل التي تتيح الكلام والحديث بشكل أكبر وأكثر.
وأختم مع كلام لمصطفى عبيد يقول فيه «الصمت سلاح لمقاومة العالم المتحجر المنفلت الجامح بسياساته وساسته ورجاله ونجومه وأعاجيبه وغرائبه، قبضة تحدٍ في وجه الظلم والقهر والفساد، رفض عاقل لأمور كريهة وأفعال مستفزة، إنكار قلبي لبشائع وجرائم وخطايا إنسانية».
[email protected]