لا شك أن توثيق المهندسين في العصر الإسلامي حاجة ملحة وضرورية لتوثيق إبداعات علماء العرب والمسلمين في علوم الهندسة، وقد نقبنا كثيرا في بطون الكتب حتى نجمع هذه الصفوة من العلماء الأجلاء في الهندسة لتكون منارا مشرقا لأمتنا العربية والإسلامية السمحاء التي لم تترك شاردة أو واردة إلا وسجلتها للتاريخ لعلمائنا الأفذاذ.
وقد قادتنا الاطلاعات الى الكثير من المعلومات عن مثل هؤلاء المبدعين، فاقتطفنا زهرة من هنا وزهرة من هناك حتى نسجل المتميزين والنابغين منهم الذين أبدعوا بعلوم الهندسة حتى يطلع عليها العالم كله ويتعرف عليها أيضا أبناء أمتنا العربية وجيلنا الحاضر والقادم ليتعرف على عظمة من سبقوهم في مثل هذه العلوم، ونحن نبحث في هذه الحلقة المفقودة عن مهندسينا العباقرة من العرب والمسلمين لترفع بها رؤوسنا ونفخر بها أمام العالم ونحن نقدمهم كنماذج مشرفة.
استطاعت هذه المجموعة الفذة أن تبدع في الكثير من ألوان الإبداع، فها هي تبدع في قصر الحمراء بغرناطة، وكان ذلك آية بالصناعة المبدعة. وقد أشاد الإفرنج واعترفوا بأن هندسة ونقوش العرب والمسلمين لم يسبق لأحد أن قام بها من قبل، كما يشهد على أعمالهم البناء الخيري الذي أحدثه المتوكل العباسي في قصوره، فجعل تخطيطها على مثال تعيين مجلس الملك وبها الكمان وهما الميمنة والميسرة لخواصه وخزائنه، كما حفظ لنا التاريخ آية من الجمال فيما شيدوه من القصور الضخمة والصروح الشاهقة في غاية الروعة الهندسية، كما كانت هناك أيضا عدة أعمال متميزة قام بها هؤلاء المهندسون كشق الأنهار وعقد القناطر وإجراء الماء إلى المدن ذات المسافات البعيدة واتخاذهم له المصانع العجيبة وإجرائه في أنابيب بالطرق لتوزيعه وإصعاده إلى أعالي الدور، وقد طبقوا ذلك في حلب وحمص وطرابلس مما شهد لهم القريب والبعيد، وقد شهد لهم ذلك العمل البديع في مقاطعة (بلنسيه بالأندلس) حتى اليوم، حيث وضع العرب نظاما محكما لتوزيع الماء. وقد قال البعض معلقا على ذلك «لولا ما أقامه العرب لنا من القناطر والجسور لمتنا وماتت أراضينا ظمأ». وعلى هذا فإن علماءنا المهندسين العرب والمسلمين أسهموا إسهاما كبيرا في بناء حضارة هندسة البناء وأبلوا بلاءا حسنا، ورغم أن الفتح شغلهم عن الالتفات إلى وسائل التحضر وصرفهم أيضا إلى نهل العلم في بقاع العالم، إلا أنهم نشطوا في الفتح الثاني وهو الفتح العلمي فاستطاعوا رغم قصر المدة أن يملكوا ناحية العلم في العالم وأن يحدثوا ثورة تكنولوجية أذهلت الغرب، والفضل لهم فيما نقلوه من علوم، اما عن طريق التنقيح أو الزيادة أو الاختراع، فكان للهندسة الأثر الكبير في فرع البناء بذلك الطراز المذهل الذي تشهد أطلاله على هذا الإبداع حتى الآن. ونحن إذ نتحدث عن الإبداع الهندسي فلابد أن نوثق أعلام المهندسين في العصر الإسلامي الذين لهم دور فعال في التفنن والتطور الهندسي البديع.