بينما تتغير الأحوال لحظة بلحظة، فإن التغافل عن الخطأ في بعض المواقف والكثير من الأحداث، وتجاهلك زلات لسان الآخرين وسقطات كلامهم وحتى تقبلك هفواتهم، يجعل منك إنسانا يسعى لحفر أساس متين في علاقاته الاجتماعية، كما يجعل منك أيضا إنسانا مرنا محبوبا ومقبولا.
غالبا ما يتعرض الإنسان في حياته إلى مجموعة من المواقف والأحداث التي لا تخلو أبدا من وقوع الخطأ فيها، ومن خلال تلك الأخطاء نتعلم نحن ونستفيد ونطور من أنفسنا.
والخطأ يصدر من الشخص من غير قصد، أما الخطيئة فتكون متعمدة وهدفها إلحاق الأذى بالآخرين.
وكلنا نخطئ.. فالخطأ وارد، لأن الإنسان خلق بطبعه خطّاء، والخطأ لا يتنافى مع النضج والحكمة، لكنهما لهما دور في كيفية التعامل المتزن والهادئ لمعالجة الأخطاء والاستفادة منها.
والاعتراف بالخطأ من الشيم الأخلاقية العظيمة التي يتصف بها الكبار، كما في المقولة «الكبار يخطئون في العلن، ويتوبون في السر».
وأنا هنا لا أتحدث عن الخطيئة، وإنما أتحدث عن الأخطاء غير المقصودة والتي تصدر من الجميع دون استثناء، لأننا بشر ولابد أن نخطئ.. هذا وبخلاف ان نسبة الخطأ تختلف من فرد إلى آخر حسب علمه ومعرفته ونضجه وثقافته.
وتطرقي لهذا الموضوع هو بسبب ملاحظتي لوجود أشخاص كثر هدفهم الوحيد في الحياة هو تصيد أخطاء الآخرين في مختلف المواقف والمناسبات والأحداث، أو في محيط الأهل والأصدقاء، ومن ثم يستغلونها لنشرها ولا يلاحظون أبدا بعض الإيجابيات الأخرى التي قد تتخلل ذلك الموقف أو الحدث، وإنما هدفهم الوحيد هو فقط إظهار انفسهم على حساب الآخرين.
ومن يعتقد أن المتغاضي والمتسامح هو من يفرط بحقوقه فقد ابتعد عن جادة الصواب، فهذا شيء وذاك شيء آخر.
وبغضّ النظر عن مبرراته فإن تصيد الأخطاء يباعد بين الشخص والآخرين، ويزرع بذور الخلافات بين الناس التي في كثير من الأحيان هم في غنى عنها، وخصوصا من قبل أصحاب النفوس الضعيفة والتي يجدونها فرصة للتشهير بغيرهم.
وهناك فرق بين التعبير عن نفسك وما يزعجك، وبين تصيد أخطاء الآخرين، والتركيز على كل شيء يفعلونه أو لم يفعلوه، وكل كلمة قالوها وكيف قالوها، والأخطاء التي يرتكبونها بقصد وبدون قصد، والتفاصيل الصغيرة التي لم يتذكروها جيدا، كما تنتج عن ذلك آثار سلبية عديدة، منها كثرة الخلافات والجدالات والحقد والكراهية.
قال ابن الجوزي: «ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء! فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب».
فالحياة جميلة، وعلينا أن نكون أكثر مرونة في معاملاتنا مع الآخرين، نحن جميعا نخطئ ولسنا ملائكة، فيجب أن نكون واقعيين ولا نستغل الفرص لتصيد أخطاء الآخرين، بل علينا تصيد أخطائنا أولا من أجل الإصلاح الذاتي والاستفادة منها.
فمثل هذه الأمور تولد شعورا مخيفا للغاية، شعورا يقوم بتغذية الإنسان ويملأه كله، كالنار كلما أحرقت شيئا ازدادت ضراوة واشتعالا، لا تشبع أبدا من نفسها، ولكنها لا تخمد إلا بعد أن تخور قواها، أو يطفئها أحد من الخارج، وإني لا أعجب والله من أناس متواجدين في حياتنا ويعيشون بيننا، تحركهم الكراهية، والعداوة الخفية، فلا ينتظرون زلاتك وأخطاءك فقط، بل يختلقونها إن لم يجدوها، وهذا حري بنشر البغضاء وتقويض أسس الود والمحبة.