تمضي بنا الحياة بحلوها ومرها.. بخيرها وشرها، نضحك في معظم الأحيان جهرا ونبكي أحيانا أخرى سرا.. نتقاسم لحظاتنا الجميلة مع أقارب اعتدنا وجودهم منذ الطفولة في حياتنا.. ألفنا ابتسامتهم، أحاديثهم، ضحكاتهم، التي تنعش من الداخل أرواحنا.
ومن منا لا يحب أقاربه، أحبابه ولا يمني النفس بلقائهم في أقرب الآجال؟ من منا لا يرى التماسك والتمسك والرسوخ إلا بجانبهم؟ ومن منا قد يستطيع ان يتخيل فرحا بعيدا عن أحضانهم؟! فالأقارب حب، انتساب، وانتماء.
الأقارب دفء واحتواء: ومن أجمل المقولات التي قرأتها للدكتور علي الطنطاوي، رحمه الله هي تلك التي يقول فيها «تمسكوا بأحبتكم جيدا، وعبروا لهم عن حبكم، واغفروا زلاتهم فقد ترحلون أو يرحلون يوما ما وفي القلب لهم حديث وشوق، واحذروا ان تخيطوا جراحكم قبل تنظيفها من الداخل (ناقشوا، برروا، اشرحوا، اعترفوا، تنازلوا) فالحياة قصيرة جدا لا تستحق كل هذا الحقد، الحسد، البغض، قطع الرحم، غدا سنكون ذكرى فقط، والموت لا يستأذن.
لكن!!
الآن للأسف وفي هذا الزمن الغريب الذي نعيشه، قد يكون الاقارب احيانا جنة وقد يصبحون جحيما، فلا تستغرب أبدا حين تجد بعضا بل كثيرا من الاقرباء يكرهونك لأسباب تعنيهم هم لا تعنيك، فيوسف عليه السلام ألقي في الجب من قبل اخوته لأن أباه كان يحبه حبا جما! وابن سلول كره النبي عليه السلام كرها أعمى لمرض في نفسه هو لا في النبي، وإلا النبي كانت تحبه الحجارة والجمادات، ولكن ابن سلول لم يكن يرى من المشهد إلا ما يتعلق به، لهذا قيل لا تبحث في قلوب الكارهين عن سبب!
كما ستجد من اقربائك من يراك أسوأ الناس، وسيصدمك منهم ايضا من نسي خمسين موقفا جميلا منك لأنك قصرت معه مرة واحدة فقط، وستجد منهم من لا يكف عن تجريحك وانتقادك دون سبب!
ومنهم من سيحارب فقط كي يتحكم بنظرة الناس بك، ويغتاظ حسدا من حب الآخرين لك ،،،،،، إلخ.
والسؤال هنا: هل تلك الأمور من مبادئ وأخلاق ديننا الحنيف..؟
الكبر والحقد والحسد سبب كل ما نمر به وتمر به مجتمعاتنا على وجه الخصوص، وهو ذنب يكاد يكون أهم وأعظم من الكفر نفسه، وعلى من؟ على أشخاص نحبهم ويهمنا أمرهم كالأقارب، فيدفعنا ذلك الاعتداد بأنفسنا إلى قطيعة الرحم التي توعد الله عزّ وجلّ من فعلها باللعن والطرد من رحمته، يقول الله عزّ وجلّ (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم).
فالغريب قد تتوقع تلك الامور منه لأنه شخص في حد ذاته يعتبر كـ «عابر سبيل» في درب حياتك..أما القريب فيزعزع كيانك، يجعلك تعيش الألم مرتين، وتتلقى بدل الصفعة صفعتين.. فحتى اللغة لا تستوعب الموقف، فكيف إذن للعقل البشري أن يتقبلها!
أقارب كنت ترى الصدق يتراقص في أعينهم الخادعة وعقولهم المغيبة ومقاصدهم الغادرة وكلماتهم الكاذبة ومشاعرهم الزائفة وضحكاتهم الساخرة، أقارب كنت تحسب نفسك قادرا على مجابهة أقوى العواصف معهم، فكيف لك أن تراهم فجأة أعداء..؟
إنها وبكل بساطة صدمة!
قال الشاعر:
وما ضرني بعيد يجهلني
إنما أوجعني قريب يعرفني..!
صدمة لا تعرف ما تجلياتها وإرهاصاتها سواء عليك او على الفرد او على المجتمع؟
وقد تستغرب بعدها حين تجد الغرباء يسعفونك من جرح الأقرباء، يؤازرونك ويخففون عنك، لتعود وتصمد من جديد، ولنا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام أسوة، الذي خذله أقرباؤه وغدروا به، وأسعفه الغرباء بل وأكرموا مثواه.